ادريس زياد لعالم اليوم الدولية لقد سرقوا أحلام وآمال الشعب و تنكروا لوعودهم، وهذا أشد خبثاً، وهذه السرقة الموصوفة مع سبق الإصرار والترصد أشد إيلاماً من سرقة المال، لقد قرأنا وسمعنا و عايشنا الكثير من الفضائح المالية والأخلاقية والسياسية التي أزكمت رائحتها الأنوف، وذلك على مدى عقود، لكننا مع الأسف، لم نسمع يوماً ما ولو لمرة واحدة، بقيام محاكمة شفافة من أجل إحقاق العدالة، وحماية المال العام، فبقي أصحاب الفضائح في مناصبهم وازدادوا قوة وحصانة، في حين تم اعتقال فاضحي الفساد من أحرار هذا الوطن، وكلما خرج الناس خلال انتفاضاتهم أو حراكاتهم، وجهوا غضبهم إلى الوجهة غير الصحيحة، مما سهل على الإنتهازيين سرقة جهدهم و تهريب انتفاضاتهم إلى فضاءات معتمة، تزينها الأوهام و تضيئها الأحلام التي سوقها نفس الحربائيين… كان والي دمشق بحاجة إلى المال للنقص الحاد في مدخرات خزينة الولاية، فاقترحت عليه حاشيته أن يفرض ضريبة على صناع النسيج في دمشق، فسألهم: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟ قالوا: من خمسين إلى ستين كيساً من الذهب، فقال الوالي: ولكنهم أناس محدودو الدخل فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال؟ فقالوا: يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا، فقال: وماذا تقولون لو حصلت على المبلغ المطلوب بطريقة أفضل من هذه؟ في اليوم الموالي قام الوالي بإرسال رسالة إلى المفتي لمقابلته بشكل سري، وفي الليل حينما وصل المفتي قال له الوالي: عرفنا أنك ومنذ زمن طويل تسلك في بيتك سلوكاً غير قويم، وأنك تشرب الخمر وتخالف الشريعة، وإنني في سبيلي لإبلاغ الملك، ولكنني فضلت أن أخبرك أولاً حتى لا تكون لك حجة علي! أُفجع المفتي بما سمع وأخذ يتوسل، ويعرض مبالغ مالية على الوالي لكي يطوي الموضوع، فعرض أولاً ألف قطعة نقدية فرفضها الوالي، فقام المفتي بمضاعفة المبلغ، ولكن الوالي رفض مجدداً، وفي النهاية تم الإتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية! وفي اليوم التالي قام باستدعاء القاضي، وأخبره بنفس الطريقة، وأنه يقبل الرشوة ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة، وأنه يخون الثقة والأمانة، أخذ القاضي يناشد الوالي ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي، فلما وصل معه إلى مبلغ مساو للمبلغ الذى دفعه المفتي أطلقه. بعدها جاء دور المحتسب والنقيب وشيخ التجار وكبار أغنياء التجار، جمع الوالي حاشيته الذين أشاروا عليه أن يفرض ضريبة جديدة على صناع النسيج لكي يجمع خمسين كيساً فقال لهم: هل سمعتم أن الوالي قد فرض ضريبة في الشام ؟ فقالوا: لا ما سمعنا بهذا، فقال: ومع ذلك ها أنا قد جمعت مائتي كيس بدل الخمسين التي كنت سأجمعها بطريقتكم، فتساءلوا جميعاً: كيف فعلت هذا يا مولانا ؟ فأجاب: إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان. لو طبقت الحكومات هذا المبدأ على الفاسدين والمرتشين وسراق المال العام لامتلأت الخزينة، ولما كان هناك حاجة للتضييق على الفقراء والمحتاجين وصغار الموظفين.