قال لي صديق أنه لم يعد يشم كما كان الشيء الذي زاده شكوكاً في إصابته بالوباء اللعين، فقد حاسة من حواس إدراكه وبدأ يشعر بنقص في قدرته على التمييز وتساوت لديه الأشياء، فقلت له مازحاً: اعلم يا صديقي أن الشم حاسة مكملة للحواس الأخرى، وأن روائح الأشياء محفوظة في الذاكرة، فإذا ضل الأنف طريقَه استدعى عقلك الباطن ذاكرة الرائحة وقرّبها إليك، والشم من الحواس التي لا يكاد يخصّها أحد بعمق المباحث، فإذا افتقدها الإنسان أدرك ماهيتها واستشعر نعمتها، فشكر الله على عظيم نعمه التي لا تُحصى ولا تُدرَك… وهي فرصة أيضاً ألّا تستفزك رائحة الشواء النفاذة، فيذوب الدهن في جسدك، وتتخلص من الكرش ووزنك الذي أثقل ظهرك، ثم إنك كنت تشكو من شدة وطأة رائحة الثوم، وأنها ربما سكنت حجرات خيشومك، وأذهلتك عن النوم وأيقظت فيك فرط النشاط المستكرَه، وأن تترك طقوس شراب القهوة التي رفعت ضغطك وآذتْ بدنك ونسفت جيبك واستعمرت أوقاتك، حتى أدمنتها ولا تطيق عنها فراقاً إذا شممت ريحها، ثم إنك سترى أن بعض حواسك الأخرى قد نشطت باستراحة الشم عندك، ثم إنك ستشكر الله على ما أنت فيه إذ زال عنك رائحة الجالس إلى جنبك الأبخر الذي يضيّق عليك بأنفاسه القريبة، وكأنه يصدر عن بيت خلاء صنين… وبما أن الشم كان يستشعر الطيبات والخبيثات من المشمومات، فقد استوى لديك الأمران الآن، وهذا أفضل من أن يصيبك اضطراب الشم وتعاكس الروائح المميزة، وإن كنتَ في غرفة معزولة قريبة من الحمام فإن أعظم النعم أن تنطفئ رائحة الشم التي يختلط فيها الهواء من النافذة وريح المرحاض، وحتى لا أطيل عليك كن قانعاً حامداً شاكراً الله على نعمه، ففقدان الشم سر لا يعلمه إلا الله.