ونحن في الصفوف الأولى بمدارسنا الابتدائية، كانت ألسنتنا لاتكف عن ترديد قصيدة شعرية، سبق لشاعر النيل .. حافظ إبراهيم، أن نظمها دفاعا عن اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم على رسول الرحمة الصادق الأمين، صلى الله عليه وسلم، تحت عنوان " اللغة العربية تتحدث عن نفسها" جاء في مطلعها : رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي ولدت فلما لم أجد لعرائسي رجالاً وأكفاءً وأدت بناتي ولتعميم الفائدة، فمناسبة هذه المقدمة، من جهة دعت إليها (التبوريضة) التي تعسف بها على اللغة العربية منسق الاتحاد المغربي للشغل، خلال تدخله في جلسة مجلس المستشارين ليوم 15 دجنبر الجاري، الذي بدا مرتبكا، مما جعل جل كلامه في مداخلته مليء بالأخطاء النحوية، ينصب المرفوع ويرفع المنصوب، وهكذا دواليك، بيد أنه لو طلب منه التكلم بالفرنسية أو لغة أخرى غيرها لتحدث بطلاقة، ومن جهة ثانية احتفال العالم باليوم العالمي للغة الضاد، الذي صار يصادف 18 دجنبر من كل سنة، ابتداء من سنة 1973، حيث أدرجت اللغة العربية كلغة سادسة إلى جانب اللغات الحية، والتي أقرها المجلس التنفيذي "لليونسكو باقتراح من المملكة المغربية، وهذا ما جعلنا نتناول هذا الموضوع لنساهم من جهتنا ولو بقدر يسير للتنبيه من خطر الحملة الجائرة على اللغة العربية، وما أصبحت تتعرض له لغة الضاد من إهانة وإهمال. و نسوق مثالا حيا على ذلك: الكل يعلم ولا يجادل في أن فئة مهمة من سكان المغرب لا تتقن إلا اللغة العربية كلاما وكتابة .. ومعظم هؤلاء لايفقهون حرفا واحدا في اللغة الفرنسية أوغيرها من باقي اللغات، وبعد عملية حسابية دقيقة طبعا يتضح أن نسبة الأجانب القاطنين بأرض الوطن، أو أولائك الذين يقصدون بلادنا من حين لآخر لأجل السياحة أو الزيارات المختلفة، لا أهمية لها .. ولكن لحاجة في نفوس بعض المغاربة الذين يدعون (القفوزية)، تجدهم يصرون دوما على التعامل بلغة موليير .. عجبا، لا نعلم ما الداعي لهذا الإصرار..؟ وللتوضيح أكثر، فهؤلاء المسكونين بعقدة كل ما هو أجنبي لايهنأ لهم بال حتى يستعملون اللغة الفرنسية في أجوبتهم أو تدخلاتهم، سواء عبر شاشتي القناتين التلفزيتين أو أثير الإذاعات، وهؤلاء كلهم ينتمون إلى العوالم الفنية .. السياسية .. الرياضية وكذا الرسمية، (وزراء .. شخصيات بارزة في الدولة ومثقفون .. وغيرهم، وما يستغرب له هو أن هؤلاء يسمعون بأذن عربية ويتعمدون الرد بلسان فرنسي، متناسين أنهم يتوجهون إلى مغاربة معظمهم لايفقه شيئا في اللغات الأجنبية، ومع ذلك تجدهم لا يخجلون من أنفسهم وهم يتنكرون للغة وطنهم الرسمية، التي اعتمدها دستور المملكة، وهم بهذه التصرفات اللامسؤولة ربما لايعلمون أنه ليس هناك أحقر من الذي يتنكر لما يربطه بهذا الوطن، بل بهذه الأمة، إنه حقا لشيء مقرف، أن تجدهم لم يستوعبوا بعد أن اللغة العربية التي يتحاشون استعمالها في أحاديثهم، هي في عدة دول أجنبية تعد اللغة الرسمية الثانية، وأن الكثير من الأجانب من مختلف الجنسيات أصبحوا يتسابقون ويقبلون برغبة قوية على تعلم اللغة العربية، لأنهم واعون بأنها لغة متميزة وذات منزلة رفيعة، يتكلم بها أكثر من مليار نسمة في العالم .. ولكن لاحياة لمن تنادي، لأن تعنت هؤلاء الذين يحتقرون لغة بلادهم لم تستطع البتة كثرة النداءات الوقوف في وجه إصرارهم ومنعهم من ارتكاب هذا الخطأ الفادح، إن لم نقل الجرم في حق هذه اللغة التي هي نعمة من الله عز وجل للإنسانية جمعاء، والتي هي في ذات الوقت لغة مقدسة، مما يقتضي أن تكون لغة مهيمنة على ما سواها من اللغات، نظرا لكونها لغة الأغلبية والهوية والخصوصية، وهي لغة الخلود، حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلى أن يرث الله الأرضومن عليها، وستكون هي لسان الله الذي يخاطب به الناس يوم القيامة. ورغم هذا وذاك، فنحن هنا لسنا ضد الانفتاح على اللغات الأجنبية وتعلمها أو التحدث بها واستعمالها في مختلف المحافل، أو على الثقافات والحضارات الأخرى، لكن ما نراه أو نسمعه شبه يومياً من الذين أشرنا إليهم أعلاه، هو الذي جعلنا نخشى أن يستمر العدوان على لغتنا من طرف إخواننا في الوطن، وتتوالى عليها المؤامرات الساعية إلى طمس حقائقها بوحشية ضارية لتنال منها، وبعد جيل أو جيلين ستفقد لغة العلم والدين الأولى أهميتها، وهذا هو الدافع الذي جعلنا نغار على لغة بلادنا وأجدادنا، وعلى الجميع أن يدرك أبعاد هذه الغير .. إذن، إلى متى سيستمر الوضع على ما هو عليه .. وإلى متى ستبقى اللغة العربية موضوعة على المشرحة، وتكال لها الضربات القوية الواحدة تلو الأخرى، ومتى إذن يعي كل مسؤولينا وأطرنا وغيره أن عليهم الالتزام بمخاطبة مواطنيهم بلغة بلدهم ..؟ بدل أن يكونوا وبشكل مفضوح عملاء للاستعمار الذي تحرر منه الوطن منذ أكثر من 50 سنة.