حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    صواريخ إسرائيلية تصيب موقعا في إيران    نظام العسكر حاشي راسو فنزاع الصحرا.. وزير الخارجية الجزائري تلاقى بغوتييرش وها فاش هضرو    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    لامارين رويال نقذات 12 حراك من الغرق فسواحل العيون    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    محركات الطائرات تجمع "لارام" و"سافران"    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "منتخب الفوتسال" ينهي التحضير للقاء ليبيا    بوريطة: الهوية الإفريقية متجذرة بعمق في الاختيارات السياسية للمغرب بقيادة جلالة الملك    "فيتو" أمريكي يفشل مساعي فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة    ابتزاز سائحة أجنبية يسقط أربعينيا بفاس    طقس الجمعة.. عودة أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    بوركينافاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين اتهمتهم بالقيام ب"أنشطة تخريبية"    توثق الوضع المفجع في غزة.. مصور فلسطيني يتوج بأفضل صورة صحفية عالمية في 2024    إعادة انتخاب بووانو رئيسا للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية للنصف الثاني من الولاية الحالية    النواب يحسم موعد انتخاب اللجن الدائمة ويعقد الأربعاء جلسة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة    "أشبال الأطلس" يستهلون مشوارهم في بطولة شمال إفريقيا بتعادل مع الجزائر    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    غوغل تطرد 28 من موظفيها لمشاركتهم في احتجاج ضد عقد مع إسرائيل    مدير "الفاو" يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة    ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟        طنجة: توقيف شخص وحجز 1800 قرص مخدر من نوع "زيبام"    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    الحكومة ستستورد ازيد من 600 الف رأس من الأغنام لعيد الاضحى    مطار حمد الدولي يحصد لقب "أفضل مطار في العالم"    نجوم مغاربة في المربع الذهبي لأبطال أوروبا    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    السفينة الشراعية التدريبية للبحرية الألمانية "غورتش فوك" ترسو بميناء طنجة    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    أصيلة.. توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في ارتباطهم بالاتجار في المخدرات    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خليلوزيتش.. حياة المدرب الذي خرج برصاصة من يوغوسلافيا وأراد أن يوطد سلطته العسكرية في الملاعب
نشر في الأيام 24 يوم 22 - 05 - 2022


* أمين الركراكي
بنهاية شهر أبريل الماضي، تكون كل المسلسلات الرمضانية قد انتهت، فيما تتواصل حلقات مسلسل "العناد" بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمدرب البوسني وحيد خليلوزيتش. ففي الوقت الذي تعكف فيه باقي المنتخبات المؤهلة لمونديال قطر 2022 على وضع برنامجها الإعدادي وفق خطط مدروسة ومحكمة، بناء على أهدافها وطموحاتها وإمكانياتها المادية والتقنية، تكتفي جامعة كرة القدم بتدبير مخلفات صراع المدرب مع لاعبين أو ثلاثة، لم تحسن تطويقه في البداية لينفجر في وجهها لاحقا. بوادر القطيعة لاحت منذ فترة من خلال مؤشرات عدة زكاها الخروج الإعلامي المتكرر للطرفين. في الملف التالي، قراءة لخلفيات الصراع وعلاقة ذلك بشخصية وحيد القوية وأجواء المنتخب المغربي التي لم تكن دوما صافية على امتداد عقود.

عندما خرج فوزي لقجع قبل أسابيع للحديث علانية عن مصير الصراع بين المدرب وحيد خليلوزيتش واللاعب حكيم زياش، كان قد اختار بذلك انتقاد خيارات المدير التقني علانية ليصطف إلى جانب فئة من الجمهور ظلت تطالب بعودة اللاعب رقم سبعة إلى المنتخب، بل إن مجموعة منهم لم تتردد في رميه بالقناني البلاستيكية في ملعب محمد الخامس يوم 29 مارس الماضي في عز نشوته بالتأهل إلى كأس العالم.

ما الذي تغير منذ 15 غشت حينما قدم لقجع المدرب الجديد باعتباره الخيار الأنسب لقيادة المنتخب؟ وكيف خرجت العلاقة عن ردهات الجامعة والمجمع الرياضي محمد السادس إلى فضاء الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف فشل المكتب الجامعي الحالي كغيره من المكاتب السابقة في تدبير صراعات مماثلة لَوَّثَت أجواء المنتخب.

لقجع في مربع الإحراج

إذا كان لقجع قد اختار الاصطفاف إلى جانب فئة من الجمهور بالحديث علانية عن ضرورة عودة الثلاثي المستبعد من المنتخب (حكيم زياش ونصير مزراوي وعبد الرزاق حمدالله) فإنه يكون قد سن، ربما عن غير قصد، سنة غير محمودة في تاريخ تدبير المنتخبات. وفي إطار سعيه لزيادة الضغط على وحيد وإقناعه بتغيير موقعه أقحم لقجع نفسه في التدبير التقني للمنتخب متخليا عن تحفظه المبدئي على الأقل في الجانب الشكلي.

إذا كان موضوع زياش مفهوما لاعتبارات منها المستوى التقني للأخير فإن الأمر يختلف مع مزراوي الذي افتقد التنافسية لفترة غير يسيرة بسبب تراجع مستواه وإصاباته المتتالية، في حين أن حمدالله هو من اختار الاعتزال الدولي على إثر خلافه الشهير مع زميله فيصل فجر فضلا عن كون قصته مع المنتخبات الوطنية لم تكن دوما على ما يرام، فهي تمتد لأكثر من 10 سنوات منذ أن استبعده الهولندي الراحل بيم فيربيك من أولمبياد لندن 2012.

لقجع أقدم على مغامرة غير محمودة العواقب حينما أخرج خلافه مع وحيد إلى العلن مهما كانت دوافعه لأن هذه الخطوة يمكن تأويلها من عدة زوايا منها فشله في تطويق حريق شب في بيته الداخلي وكذا رغبته في التخلص من المدرب بتأليب الشارع الرياضي عليه.

تسريب خبر التفاوض مع المدرب البرتغالي أندري فيلاس بواش لوسائل الإعلام اعتبرته بعض مصادرنا وسيلة من الجامعة للضغط على المدرب من أجل قبول الأمر الواقع والرحيل بعدما استنفد رصيده عند أصحاب الحل والعقد في الجامعة.

خطوة قد تؤسس لمنهج جديد في سياسة تدبير المنتخبات الوطنية وفق القواعد المتعارف عليها في كل المؤسسات الرياضية الدولية من قبيل احترام الاختصاصات والتدبير الإداري المحكم في توزيع المهام والتنسيق بين مختلف الإدارات.

مدرب لا يتنازل عن اختصاصاته

تبرم بعض الأطراف داخل الجامعة من المدرب وحيد بدأ منذ الأيام الأولى لتوليه مهامه الفعلية، أما مشكلة وحيد\‬زياش فقد كانت النقطة التي استغلتها الجامعة للتخلص من المدرب، حسب مصادر «الأيام»، مُستدلًّة على ذلك بكون لقجع وجه نقدا علنيا لوحيد بسبب غياب اللاعبين الثلاثة في حين بذل مجهودا كبيرا في الكواليس من أجل تقريب وجهات النظر بين زياش والمدرب السابق هيرفي رونار. السؤال المطروح في هذه الحالة هو عن السر وراء تقاعس الجامعة بكل مكونات جيشها الدبلوماسي عن حل المشكلة.

خليلوزيتش أصبح مزعجا لأطراف غير متعودة على الصرامة في تدبير أمور المنتخب، فقد فوجئت بكون المدرب لا يقبل الحلول الوسطى في كل ما يتعلق باختصاصاته وصلاحياته، بل ضرب طوقا حول المنتخب.

بعبارة أخرى عيب المدرب وحيد أنه «ما كيديرش للما منين يدوز» وفق العبارة المتداولة في الثقافة الشعبية المغربية، فهو لا يقبل أبدا الحلول الوسطى ولا التنازل عن اختصاصاته مهما كلفه الأمر.

وحيد زياش .. الاصطدام المحتوم

فوجئ الجمهور الرياضي بغياب اسم حكيم زياش عن قائمة المنتخب المغربي في شتنبر 2021 ليخرج بعدها المدرب كاشفا استبعاده للاعب دون تفاصيل ما حدث. لكن بداية المشكل كانت قبل ذلك بأشهر وتحديدا في ماي من السنة ذاتها، على هامش تجمع تدريبي واجه خلاله المنتخب وديا نظيريه البوركينابي والغاني. سوء فهم تطور لاحقا إلى قطيعة ساهم فيها الطاقم التقني وإدارة المنتخبات التي يرأسها لقجع نفسه. كل من عمل مع وحيد يدرك أن الأخير صارم جدا في عمله ولا يقبل التنازل أبدا في مجموعة من الأمور، لذلك فإن الإخلال بنظامه في العمل يؤدي حتما إلى التضحية بأي فرد في المجموعة مهما كان وزنه.

كان من المفترض أن يكون مصطفى حجي أول من ينتبه لهذه الأمور اعتبارا لكونه عاش التجربة نفسها من قبل مع هيرفي رونار عندما اصطدم الأخير بزياش لكن صفحة الخلاف طويت بعدما تنازل الأول وسافر إلى هولندا لعقد مصالحة مع الثاني.

سيناريو، سيكون زياش مخطئا لو كان يتوقع تكراره مع وحيد، ببساطة شديدة لأن كبرياء الأخير وشخصيته القوية يمنعانه من التنازل فطيلة عمله في مجال التدريب لأكثر من 20 سنة لم يتنازل عن قواعده التي وضعها.

شهر يناير الماضي تعرض زياش لانتقادات لاذعة من جماهير فريق تشيلسي بعدما احتفل ببرود شديد بهدفه في مرمى برايتون، وزاد الطين بلة حينما أظهرته شاشات التلفزيون في جدال شديد مع زميله روميلو لوكاكو في كراسي الاحتياط خلال المباراة نفسها.

الخلاصة أن الاصطدام أمر محتوم بالنظر إلى شخصيتي الطرفين، فزياش متقلب المزاج كما ظهر في الكثير من الحالات، مما يفرض التعامل معه بليونة أحيانا اعتبارا لكونه من اللاعبين الذين يحتاجون معاملة خاصة مثل المغربي السابق أحمد البهجة أو السنغالي الحاجي ديوف.

فجوة بين جيلين

لفهم بعض ما يجري، لابد من الوقوف عند الخروج الإعلامي الأخير لمصطفى حجي، المساعد السابق لوحيد، وتحديدا عبارة دقيقة كررها أكثر من مرة. تحدث حجي عن فارق السن الكبير بين المدرب واللاعبين ملمحا بذلك إلى صعوبة التفاهم بين جيلين مختلفين كليا يصعب تجاوز الفارق الزمني الكبير بينهما.

حجي محق في ما ذهب إليه، لكن تفسيره لا يعكس سوى وجه واحد من المشكلة ولا يكشف باقي أوجهها لاعتبارات كثيرة، منها أن أجواء المنتخب المغربي لم تكن دوما صافية كما تعتقد فئة كبيرة من الجمهور.

هل يكفي أن يكون المدرب قريبا عُمرا من لاعبيه لينجح في عمله؟ من الصعب الجزم بذلك أخذا بعين الاعتبار التجارب الحالية مثل حالة يوليان ناغلسمان الذي يدير أمور العملاق البافاري بايرن ميونيخ وعمره 34 سنة فقط.

وحيد الذي يحتفل هذه السنة بعيد ميلاده ال 70 تقبل على مضض صورة الطاغية التي راجت عنه في فرنسا لمدة طويلة والتي كرسها أكثر البرنامج الكوميدي الشهير «les guignols de l'info» في أذهان الكثيرين.

إعادة ترتيب بيت المنتخب

يظل المنتخب الأول هو الواجهة التي يقيم بها المتتبعون والجماهير أداء الجامعة لمجموعة من الاعتبارات، لذلك فإنه يكون محط أنظار الجميع. على امتداد عقود لم يكن بيت المنتخب مرتبا وهادئا، فقد شهد تصدعات ومشاكل بعضها خرج للعلن ولو بعد حين وبعضها ظل كي الكتمان خصوصا في المرحلة التي كان يدير فيها الجنرال حسني بنسليمان الجامعة اعتبارا لكون الطوق الأمني كان مضروبا بإحكام على محيط المنتخب.

لم يكن الحسين عموتة يدلي بسر خطير حينما قال ذات يوم لقناة الرياضية بأن وكلاء اللاعبين يفسدون أجواء المنتخب ويؤثرون على المدربين دفاعا عن مصالحهم، لكنه امتلك الشجاعة للحديث علنا عن الموضوع في ما كان يكتفي مدربون آخرون بالتذمر سرا للمقربين منهم.

التدخلات في عمل المدربين ليست أمرا جديدا خصوصا منهم من قَبِلَ التنازل عن بعض اختصاصاته طواعية حفاظا على مصالحه.

تعاب على وحيد أساليبه التكتيكية وخياراته البشرية وفشله في تكوين مجموعة متجانسة، وتواضع أداء المنتخب طيلة المدة التي أشرف فيها على تدريبه حتى الآن، وهي انتقادات تبدو في ظاهرها وجيهة لكنها تغفل مجموعة من المعطيات أهمها أن وحيد ورث عن سلفه رونار منتخبا يتكون من لاعبين بلغوا نهاية مسارهم الرياضي وهو ما يعني نهاية جيل وبداية إعداد جيل آخر مع ما يتطلبه ذلك من جهد ووقت.

لعنة المونديال

في حياة وحيد محطات مؤلمة، منها الإنساني المتمثل في الحرب التي مزقت بلده السابق يوغوسلافيا وقسمتها تاركة جرحا غائرا في قلب جيل بأكمله، ومنها الجانب المرتبط بمهنته التدريبية.

كان بإمكان وحيد أن يكون فخورا بكونه دخل دائرة ضيقة لأكثر المدربين حضورا في كأس العالم، لكن لعنة المونديال طاردته منذ 2010 حينما أقاله الاتحاد الإيفواري لكرة القدم من مهامه حارما إياه من قيادة الأفيال في أول بطولة عالمية تقام على الأراضي الإفريقية، ثم أقيل مرة ثانية من قبل الاتحاد الياباني قبل أسابيع من بداية مونديال روسيا 2018.

وحيد اتهم حينها علانية الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو باتخاذ قرار إقالته، قرار مفهوم إذا علمنا كيف تدار الأمور في القارة السمراء.

المرة الوحيدة التي حضر فيها البوسني كأس العالم مع المنتخب الجزائري سنة 2014 في البرازيل تمكن من تحقيق نتائج باهرة حيث وصل إلى دور ثمن النهائي وأحرج حينها منتخب ألمانيا الذي توج لاحقا باللقب.

رحيل المدربين .. الطلاق العسير

عندما خرج المنتخب المغربي من دور الثمن في كأس إفريقيا الأخير بالكاميرون كان بإمكان لقجع أن ينهي عقد خليلوزيتش اعتبارا لكون العقد الموقع بين الطرفين يلزم الأخير ببلوغ الدور ربع النهائي على الأقل وتأهيل المنتخب لمونديال قطر.

تأخير الحسم في الموضوع أمر مفهوم لكون الهامش الزمني للتحضير للمباراة التأهيلية الفاصلة مع منتخب الكونغو لم يكن يسمح بالتعاقد مع مدرب جديد. وإذا كان قرار إنهاء عقد المدرب جاهزا فقد كان الأولى والأجدر أن يتخذ بعد أيام من مباراة الكونغو لفسح المجال أمام المدرب الجديد لمباشرة عمله في الأشهر القليلة المتبقية على الاستحقاق العالمي.

هذا التأخير يطرح أكثر من علامة استفهام، فالحملة التي شنتها بعض وسائل الإعلام والصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي سهلت المهمة على الجامعة أمام ارتفاع حدة الانتقادات التي طالت أداء المنتخب على امتداد الشهور الماضية.

على امتداد عقود، لم يكن الطلاق بين الجامعة والمدربين الذين تعاقبوا على تدريب الأسود أمرا هينا ولا يسيرا، فقد طبعته الحدة والتشنج. كثير من المدربين فضلوا الصمت لاعتبارات كثيرة منها أن الجهر بحقيقة ما يحدث خلف الأبواب المغلقة سيثني آخرين عن التعاقد معهم مستقبلا لذلك يفضلون طي الصفحة والتركيز على عروض أخرى.

من يحكم إدارة المنتخبات؟

كثير من الحروب التي يخرج بعضها للعلن لا يعرف الجمهور مصدرها ولا محركها ودوافعها. يملك وكلاء اللاعبين نفوذا قويا في دواليب القرار ويشكلون ضغطا على كل المدربين المتعاقبين على تدريب المنتخب المغربي بل إنهم كانوا وراء كثير من المشاكل التي سممت أجواء أسود الأطلس. وحده الحسين عموتة من امتلك الشجاعة للحديث عن الموضوع علانية في حديثه لقناة الرياضية وكشف ما ظل يشكو منه زملاؤه سرا للمقربين منهم.

يستخدم الوكلاء والوسطاء الرياضيون كل الوسائل لتحقيق أهدافهم المتمثلة تحديدا في ضمان مكان أساسي لموكليهم في تشكيلة المنتخب بغض النظر عن مستواهم التقني ويستعينون في الكثير من الأحيان بصحفيين مقربين لبلوغ مرادهم.

قبل أيام، تخلى إياد فريد، وكيل أعمال الفرنسي هيرفي رونار، عن تحفظه واتهم في حديث لإحدى الإذاعات الخاصة محمد مقروف مستشار لقجع في الجامعة بإثارة مجموعة من المشاكل خلال مشاركة المنتخب في مونديال روسيا 2018 بل وذهب أبعد من ذلك حينما رهن عودة المدرب لتدريب أسود الأطلس برحيل مقروف تحديدا.

لعل الجميع يتذكر يومها حينما خرج المهدي بن عطية بتصريح مبهم على قناة بي إن سبورت القطرية يتهم فيه شخصا (قيل إنه مصطفى حجي) بالتقليل من شأن اللاعبين وإثارة المشاكل، تصريح بن عطية عكس الأجواء المشحونة التي خاض فيها المنتخب مبارياته الثلاثة.


صرامة النظام العسكري اليوغوسلافي

اكتسب وحيد شخصيته السلطوية منذ صغره، فرافقته طيلة حياته. كان صعب المراس وسريع الغضب لكنه سرعان ما يستعيد هدوءه. إنه الدم السلافي الذي يجري في عروقه ويكسبه هويته التي ساهمت في صنع مجده لاعبا ومدربا في وقت لاحق.

وإن كان من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن وحيد تربى في ظل نظام يقوده الماريشال تيتو زعيم يوغوسلافيا آنذاك. هو ليس خريج مدرسة عسكرية ولم يشارك في أي حرب لكنه تربى منذ صغره على الانضباط والصرامة والجدية في العمل. صفات ظلت تلازمه طيلة حياته بل إنها من أسرار نجاحه في كل المحطات التي مر بها.

«نعم أنا متسلط» هكذا أجاب وحيد عن سؤال لصحفي فرنسي خلال برنامج تلفزيوني على القناة الفرنسية الأولى. هناك خطوط لا يحب تجاوزها من أي كان، بل إنه ظل دائما القدوة لكل من عمل معه فلا يكتفي بفرض نظام معين على مساعديه واللاعبين بل يكون أول منضبط له.

«وحيد مدرب وصارم وحنون في الوقت نفسه، إذ يمكن أن ينخرط في موجة بكاء أحيانا لتأثره بسهولة في بعض المواقف». يقول لاعب دولي سابق توج مع خليلوزيتش بدوري أبطال إفريقيا في نسختها القديمة سنة 1997. «أما في الجانب التقني فوحيد يفضل اللاعب الذي يقوم بأدوار دفاعية على لاعب مهاري غير جاهز بدنيا، ولا يحب الغشاشين في الحصص التدريبية. إذا اشتغل معه اللاعبون منذ بداية المعسكر التحضيري قبل انطلاق الموسم الرياضي فإنهم سيصبحون قادرين على خوض 60 مباراة في الموسم» يضيف المصدر ذاته.

وحيد وصدام الثقافات

شخصية وحيد السلطوية وصلابته خلقت له الكثير من المشاكل طوال مسيرته لاعبا ثم مدربا في ما بعد. كثير من اللاعبين الفرنسين يتذكرون اليوم الطرائف التي حدثت لهم معه بسبب إصراره على الانضباط داخل المجموعة، فذات يوم، لم يتورع عن طرد لاعبين من نادي نانت بعدما ضبطهما يمارسان هوايتهما في الألعاب الإلكترونية في وقت متأخر من الليل ليدبرا أمرا عودتهما إلى مدينتهما.

ومازال عبدلله غلام رئيس الرجاء السابق يتذكر المشاكل التي واجهت مكتبه المسير آنذاك بسبب صرامة المدرب. «اضطررنا أكثر من مرة للاجتماع مع وحيد لحل خلاف أو سوء تفاهم مع أحد اللاعبين. كان علينا أن نوضح له حينها سلوك بعض اللاعبين يجب ربطه بعادات وتقاليد المجتمع المغربي، وهذا طبيعي لأن الرجاء كانت أول محطة تدريبية له خارج أوروبا ولم يكن يعرف الكثير عن شعوب شمال إفريقيا». يوضح غلام في تصريح ل«الأيام».

وحيد لم يغير من عاداته أو يحاول التأقلم مع الأوضاع خلال مروره من مجموعة من الدول، لذلك وجد نفسه في صدام مع لاعبي اليابان، أحد أكثر شعوب العالم انضباطا والتزاما، والنتيجة أن الاتحاد الياباني أقاله في أبريل 2018 قبل شهرين من انطلاق مونديال روسيا. خرج حينها كوزو تاشيما رئيس الاتحاد الياباني ليفسر القرار المفاجئ بوجود مشكل تواصل بين المدرب واللاعبين وضعف نتائج المنتخب في المباريات الإعدادية.

وحيد وجد صعوبة في الاندماج داخل المجتمع الياباني المحافظ على عادات أصيلة متفردة، فمنذ أيامه الأولى لم يتقبل طريقة الانحناء المعتادة في تحية الآخرين لذلك جعل المصافحة طقسا أساسيا عند كل لقاء بين أفراد الطاقم التقني واللاعبين، فالتواصل الجسدي بالنسبة له معطى أساسي في تكريس العلاقات الإنسانية.

«خطابه كان حادا جدا بالنسبة للاعبين اليابانيين رغم أنهم جادين في تداريبهم بل وصل به الأمر إلى استبعاد بعض المحترفين في الدوريين الإسباني والإنجليزي من المنتخب، لأنه لم يتقبل بعض مقترحاتهم والنتيجة أنه فقد ثقة باقي اللاعبين. الاتحاد الياباني لم يتقبل خططه التكتيكية التي افتقدت للتغيير فضلا عن الخسارة أمام منتخب كوريا الجنوبية (1-4) في كأس شرق آسيا في دجنبر 2017 وهي خسارة لم يتقبلها الجمهور الياباني»، يقول الصحفي الياباني ماساكي كوني في حديث ل «الأيام».

اختيار العطالة

الاحترافية وعزة النفس والكرامة والأخلاق صفات مشتركة بين جل الشهادات التي جمعناها لتقريب القارئ من شخصية مدرب فضل البقاء في منزله على تدريب فريق بلا أهداف.

لا يجد وحيد حرجا في الاعتراف بكون رئيس نادي بوفي ساهم في إنقاذ حياته المهددة في يوغوسلافيا السابقة، بعدما منحه فرصة تدريب الفريق سنة 1993 منتشلا إياه من حرب طاحنة. بعد سنة فقط قرر فجأة الرحيل مفضلا العطالة وقلة ذات اليد على مواصلة العمل مع فريق دون طموحه لأنه لا يقبل لعب الأدوار الثانوية، كما قال حينها.

«عندما كنت أعود من العمل أجده منهارا على الأريكة. الوضع لا يحتمل فذكريات حياتنا الرغيدة لاتزال عالقة في أذهاننا. كنت أتفهم ما يعانيه زوجي من غضب بسبب ما عاشه بعد الحرب والموت والظلم. خلال 3 سنوات كان يحس بالإهانة والوحدة، وحدهم بعض الأصدقاء كانوا يقرضونه المال، كانت أصعب مرحلة في حياتنا، أصعب من الحرب نفسها». بهذه العبارات وصفت ديانا زوجة وحيد حال أسرتها آنذاك.

إذا كان وحيد قد تخلى عن منصب في بداية حياته المهنية من أجل مبدئه القائم على المنافسة على الألقاب، خصوصا بعد فقد كل ممتلكاته وذكرياته بسبب الحرب في يوغوسلافيا، فكيف سيكون عليه الأمر بعد أكثر من 20 سنة ذاق فيها طعم الانتصارات وصعد منصات التتويج وهتفت باسمه الجماهير في مجموعة من ملاعب العالم؟

قصة هنري ميشيل والرجاء

دخل وحيد خليلوزيتش تاريخ الكرة المغربية باعتباره أحد صناع الفرح في واحد من معاقلها بالدار البيضاء، حينما قاد الرجاء البيضاوي إلى إحراز كأس إفريقيا للأندية البطلة (دوري أبطال إفريقيا حاليا) سنة 1997 للمرة الثانية بعد لقب 1989 وفي السنة الموالية توج بلقب البطولة الوطنية.

كانت الرجاء محطة مهمة في مسيرة وحيد التدريبية حيث بات مطلوبا في مجموعة من الأندية والمنتخبات خارج أوروبا حيث ترك بصمته. قصته مع الرجاء كان وراءها صديقه وزميله السابق في نادي نانت الفرنسي الراحل هنري ميشيل، الذي كان حينها مدربا للمنتخب المغربي فاقترحه على مسؤولي الرجاء الذين كانوا يبحثون عن مدرب يعيد الفريق إلى الواجهة بدلا من عبدالله العماري الذي خلف مؤقتا الروماني ألكسندرو مولدوفان.

بوصوله إلى الدار البيضاء، أنهى وحيد ثلاث سنوات من العطالة قابلا التحدي مع الرجاء الذي كان حينها يبتعد ب 11 نقطة عن متصدر الترتيب ويحتل المركز الثالث في مجموعته بدوري أبطال إفريقيا وراء المتزعم بريميرو دي أغوستو الأنغولي.

تمكن وحيد من تغيير أسلوب الفريق ليقوده إلى منصة التتويج إفريقيا بعد الفوز على غولدفيلدز الغاني بالضربات الترجيحية (5-4) حيث خسر ذهابا بهدف دون رد وفاز إيابا بالحصة ذاتها في مباراة شهدت غياب مجموعة من اللاعبين الأساسيين بسبب الإصابات والتوقيفات. وحيد أجرى يومها مجموعة من التغييرات التكتيكية مانحا بعض اللاعبين أدوارا مختلفة فنجحت خطته في التتويج باللقب على حساب أحد أعتى الأندية الغانية آنذاك.

بعد ذلك، قاد الرجاء للفوز بلقب البطولة الوطنية للمرة الرابعة في تاريخه بفارق 14 نقطة كاملة عن الكوكب المراكشي الوصيف حيث خسر مباراة واحدة فقط. وهذا النجاح لم يمنعه من العودة إلى فرنسا من جديد ليكون قريبا من أسرته.

الرصاصة التي كادت تودي بحياة المدرب

تركت الحرب جرحا غائرا في نفس وحيد خليلوزيتش ودمرت ممتلكاته وذكرياته الجميلة مع نادي موستار والمنتخب اليوغوسلافي قبل تقسيم البلد.

وحيد بوسني مسلم متزوج من كرواتية كاثوليكية، يستقر في موستار المدينة التي كانت تعيش في تناغم بتعدد الثقافات التي تحتضنها. كل شيء كان مثاليا في حياة وحيد بعد نهاية احترافه الخارجي وعودته إلى مدينة موستار حيث يملك مطعما ومحلا لبيع الملابس ويعمل مديرا عاما لناد رياضي.

سنة 1991 ستنقلب حياة وحيد رأسا على عقب بعد اندلاع الحرب في البلاد بسبب تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي. من كانوا بالأمس أصدقاءه بل زملاءه صاروا اليوم أعداء كما هو حال يادرانكو توبيتش زعيم الحزب اليميني المتطرف الكرواتي الذي لعب إلى جانبه في هجوم نادي فيليز موستار لست سنوات. «فقدت في يوم واحد كل ما اجتهدت لبنائه خلال عشرين سنة. قصفوا بيتي وحياتي لأنني كنت مسلما وثريا ومشهورا. ما قمت به خلال الحرب يشكل مصدر فخر لي، غامرت بنفسي من أجل إنقاذ الآلاف من مواطني بلدي ومساعدة النساء والأطفال على الهروب من الموت عبر قوافل نحو ألمانيا. لجأت عائلتي إلى شقة باريسية اشتريتها قبل سنوات عندما كنت محترفا في باريس سان جرمان. خلال سنة ونصف شاهدت أمورا مرعبة كنت أعتقد أنها في كتب التاريخ فقط. واجهت الفاشيين بدون سلاح» يقول وحيد في تصريح لجريدة لوباريزيان الفرنسية.

«سلمني أحد مسؤولي إدارة مكافحة التجسس مسدسا للدفاع عن نفسي وعائلتي. فخرجت ذات يوم لاستطلاع الوضع، جلست القرفصاء وراء جدار ثم مددت يدي لإخراج المسدس من سروالي فإذا بالرصاصة تنطلق فجأة لتمر من كليتي وتخرج من عضلة الفخذ. لقد كانت المرة الوحيدة التي استخدمت فيها مسدسا فأطلقت النار على نفسي». يضيف للمصدر ذاته.

هكذا، لا يتردد خليلوزيتش في استلهام قصة حياته وما عاشه خلال الحرب في البوسنة، لتحفيز اللاعبين وتقدير النعمة التي يرفلون فيها وقد نجح في ذلك مرارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.