يوم بيوم أينما كانت المصلحة فثم شرع الله نور الدين مفتاح نشر في 13 أكتوبر 2023 الساعة 10 و 33 دقيقة فهل يعقل أن تكون المرأة ولية نفسها في الزواج، وعندما يتم الطلاق وتكون حاضنة لأبنائها، فإنها تصبح قاصرا! امرأة على خلاف مع زوجها السابق، في خصام أو عداوة، وعندما تريد الحصول على شهادة من المقاطعة لابنها، فلابد لها من إذن طليقها! وعندما تريد تغيير مدرسة ابنتها، فلابد من إذن طليقها، أما السفر فهذا مستحيل بدون رخصة، والذي يحصل في حالات عديدة، أن المرأة، خصوصا إذا كان لديها مدخول محترم، تتعرض للابتزاز، أو للانتقام ب«التجرجير». هذا ليس من العدل الذي تبنى عليه الأسرة، وهذا ليس من مقاصد الشريعة، لذلك لابد أن تصبح للمرأة ولاية كاملة بالتساوي على أبنائها وسيكون هذا حقا وليس منة. نور الدين مفتاح [email protected]
لا أعتقد أن موضوع تعديل مدونة الأسرة مجرد تشريع تختلف حوله الآراء وتنقسم بصدده المواقف. هذه قضية جوهرية في حياة المغاربة، ومن قوتها، استطاعت أن تغطي على واحد من أكبر الأحداث التي عاشتها المملكة، وهو زلزال الحوز. هذه قضية ارتبطت بمطالب حداثية لم تصطدم مع محافظة السلطة، كما في قضايا سياسية عديدة، ولكنها كانت تصطدم بمحافظة المجتمع! وكانت هذه هي الصعوبة الأولى. وبطبيعة الحال، كانت الصعوبة الثانية هي التقاطع الحساس في هذا النص المتعلق بالأسرة بين الشريعة والتشريع.
إذن، بين ما هو سوسيولوجي، وما هو ديني، وما هو عصري وحداثي، أصبحت المدونة في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع بمنزلة مرآة لهذا التوازن الحساس الذي نعيشه في مجتمع مزدوج. والناس الذين يعتقدون اليوم أن ما انفجر في مواقع التواصل الاجتماعي بعد الرسالة الملكية لرئيس الحكومة لمباشرة تعديل المدونة الأسبوع الماضي اصطدام كبير، عليهم الرجوع إلى حكومة التناوب، وإلى خطة الوزير سعيد السعدي حول المرأة. لقد أخرجت مسيرات مليونية مذهلة قسمت المجتمع آنذاك. ذهب سعيد السعدي، ولم يذهب طموح الرقي بالتشريع للأسرة، وهكذا كانت مدونة 2004 الذي عرفت مخاضا عسيراً.
لقد فشلت اللجنة الأولى التي تم تشكيلها برئاسة ذ. إدريس الضحاك، ثم بادر محمد السادس إلى تشكيل لجنة ثابتة عهد برئاستها إلى الراحل امحمد بوستة، وجرت المناقشات حامية الوطيس التي انعكست في الساحة العمومية، وكنا نواكبها آنذاك بنفس القوة التي تواجه بها المحافظون مع الحداثيين، وفي النهاية، خرج نص، بالمقارنة مع سياقه، كان يعتبر ثورة بدون مبالغة.
وبغض النظر عن مسألة تعدد الزوجات التي منعت عمليا مع ترك الباب لبعض الاستثناءات المثيرة للجدل، أو مسألة زواج القاصرات التي تركت بدورها الباب لبعض الاستثناءات، فإن المغرب كان قد قطع خطوة جبّارة إلى الأمام. لقد احتفى أشد الحداثيين حينها بالنتيجة التوافقية في بلاد يحكمها أمير المؤمنين، ووصل الأمر في بعض القضايا إلى حدود الخروج من المذهب المالكي والاستئناس بالمذهب الشافعي مثل قضية الولاية في الزواج.
من كان يصدق أن يصبح للمرأة البالغة السن القانوني الحق في أن تتزوج دون إذن ولي سواء كان أبوها أو أخوها أو غيره. من هذا الباب يتبين أن كل شيء ممكن حتى بدون لائكيّة، أي بدون فصل الدين عن الدولة. قضيتنا هي أن محاولة فصل الدين عن المجتمع كانت خطأ قاتلا لبعض الحداثيين المتطرفين كما هي أخطاء الإسلاميين المتطرفين، ولهذا تظل بهيَّة العبارة الجامعة المانعة: «متى كانت المصلحة فثم شرع الله».
في 1957 تاريخ أول مدونة للأسرة، كما في 2004، كان هذا الموضوع دستوريا من اختصاص أمير المؤمنين بحكم الفصل 19، واليوم مع دستور 2011، دخلت المدونة بدورها إلى الاختصاص التشريعي، ولهذا كان الأمر الملكي موجها إلى رئيس الحكومة، وهذا لا يعني أن المدونة ستكون نصا سياسيا يحاول كل طرف أن يؤثر فيه حسب إيديولوجية حزبه. لا، هذا نص مجتمعي مؤطر بمرجعية دينية ودنيوية، وسيسير في اتجاه استمرارية الاجتهاد المتنور ومقاصد الشريعة ومتطلبات تطور المجتمع.
إن أكثر من عقدين من التجربة في الميدان لتطبيق المدوّنة لابد وأن تخلف مئات الدروس التي وقف عليها أهل الاختصاص، ومنهم نساء ورجال قضاء الأسرة، كما أن نتائج أي تعديل لابد وأن تكون لها آثار جانبية غير منتظرة، إضافة إلى أن التطور المجتمعي يدفع دائما نحو تطوير النصوص مهما كانت حساسة. واليوم، تبين للجميع أن الظروف قد نضجت لاقتحام هذا الباب المرتبط ارتباطا وثيقا بنواة المجتمع وهي الأسرة.
وبغض النظر عن استثناءات تزويج القاصرات واستثناءات تعدد الزوجات التي ستعالج ثغراتهما، فإن هناك قضايا ملحة لابد من معالجتها بعيدا عن أي تشنج أو خلاف.
فهل يعقل أن تكون المرأة ولية نفسها في الزواج، وعندما يتم الطلاق وتكون حاضنة لأبنائها، فإنها تصبح قاصرا! امرأة على خلاف مع زوجها السابق، في خصام أو عداوة، وعندما تريد الحصول على شهادة من المقاطعة لابنها، فلابد لها من إذن طليقها! وعندما تريد تغيير مدرسة ابنتها، فلابد من إذن طليقها، أما السفر فهذا مستحيل بدون رخصة، والذي يحصل في حالات عديدة، أن المرأة، خصوصا إذا كان لديها مدخول محترم، تتعرض للابتزاز، أو للانتقام ب«التجرجير». هذا ليس من العدل الذي تبنى عليه الأسرة، وهذا ليس من مقاصد الشريعة، لذلك لابد أن تصبح للمرأة ولاية كاملة بالتساوي على أبنائها وسيكون هذا حقا وليس منة.
نفس الشيء ينطبق على الطرد من بيت الزوجية الذي يعرض النساء للمهانة والتشرد، وكذا شروط حماية الزوجة في حالة عودتها لبيت الزوجية. وهناك قضية أخرى تثير حساسية الرأي العام بما تختزنه من أحكام دونية على المرأة، وتتعلق باقتسام ما تراكم من ثروة بين الزوجين خلال فترة الزواج بعد الطلاق. وهناك من ذهب به الخيال إلى النظام الأمريكي الذي تُقتسم فيه ثروة الزوج كاملة حتى خارج فترة الزواج، في حالة الطلاق. وهناك بعض النقاط غير الواردة في المدونة والتي يرفعها واقع الممارسة ولا يجد القاضي إلا المادة 400 التي تنص على أن كل ما هو غير منصوص عليه في المدونة يطبق فيه المذهب المالكي، مع أن المدونة نفسها في الولاية في الزواج خرجت عن المذهب المالكي.
المهم، المبادرة الملكية بفتح باب تعديل المدونة كانت ضرورة مجتمعية، والأمر ليس هينا سلسا، بل إنه تمرين مجتمعي في مغرب متعايش مع دينه وانفتاحه ومع المواثيق الدولية ومع الحداثة في تجلياتها المرتبطة بالخصوصية. فلا أعتقد يوماً أن أحدا سيطرح إجازة زواج المثليين! هذا ضرب من الخيال، ولكن الذي ليس خيالا هو أن كل شيء مرتبط بالأسرة الطبيعية لزوج وزوجة وأبناء قابل للتطور إذا كانت يافطته الكبرى هي الكرامة والعدل والاحترام. نحن محافظون بالمفهوم الحداثي، وحداثيون بالمفهوم المحافظ. هذه خصوصيتنا وستنعكس لابد في نصوصنا، وباب الاجتهاد سيظل مفتوحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فشكرا لمن بادر وشكرا لمن سيجتهد في صالح التحرر والتقدم.