تحت عنوان: بشار الأسد.. لاجئ بوتين، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن رئيس النظام السوري المخلوع عندما استقبل، في دمشق شهر أبريل عام 2014، سيرجي ستيباشين، رئيس الوزراء الروسي السابق والرئيس السابق لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، كانت لديه رسالة لينقلها إلى فلاديمير بوتين: "أنا لست فيكتور يانوكوفيتش" الرئيس الأوكراني السابق، الذي كان حينها قد لجأ لتوّه إلى موسكو (فبراير 2014)، بعد أن اضطر إلى الفرار من بلاده على عجل. وهو أفق كان وقتها غير قابل للتصور بالنسبة لبشار الأسد.
ولكنه بعد مرور عشر سنوات، توضح الصحيفة، "ها هو اليوم يتبع مسارا مماثلا.. بعد أن تم تهريبه وصل إلى روسيا مطاردا بنفس الصور: فقد تم غزو ونهب قصره، مثل القصر الأوكراني. ويكاد التشابه بين هزيمتهما، في بلدين يتمتعان بأهمية بالغة بالنسبة لموسكو، يكون مثيرا للقلق. وصل كلاهما إلى روسيا دون كلمة من مضيفهما فلاديمير بوتين الذي لا يحب الرؤساء المخلوعين".
وواصلت "لوموند" القول إن فرار الرئيس السوري المخلوع عبر القاعدة الروسية في حميميم، والذي وصفه، بشار الجعفري السفير السوري لدى موسكو بأنه "مخز ومهين تحت جنح الليل"، ربما كان "بطلب" من موسكو، كما أكد بشار الأسد، في رسالة نشرت في 16 دجنبر على حسابي التلغرام والفيسبوك التابعين للرئاسة السورية السابقة. لكن على الرغم من كلامه، اتخذ الدكتاتور الاحتياطات اللازمة لحماية عائلته، وجزء من ثروته التي سلكت الطريق إلى روسيا على مدى سنوات.
ففي صيف عام 2017، أرسل بشار الأسد، وفق صحيفة "لوموند"، أطفاله الثلاثة مع مجموعة من الأطفال السوريين إلى مخيم صيفي في شبه جزيرة القرم. وبقي حافظ وزين وكريم، الذين كانت أعمارهم آنذاك 16 و14 و13 عامًا على التوالي، لعدة أسابيع في آرتيك، وهو مخيم تم تجديده، في شبه الجزيرة الأوكرانية التي تم ضمها. وبعد أشهر كشف الأسد بنفسه عن وجودهم. وقال لمجموعة من البرلمانيين الروس الذين استقبلهم في دمشق في أبريل 2018: "بعد هذه الرحلة، بدأوا يفهمون روسيا بشكل أفضل".
وتابعت الصحيفة أنه بناء على طلب والدهم الذي يفرض اللغة الروسية في الجامعات والمدارس السورية، بدأ أبناء الأسد الثلاثة بالفعل في تعلم لغة بوشكين. هذا التعلم ليس مجرد واجهة، إذ حصل الابن الأكبر حافظ، الذي يحمل نفس اسم جده، عن عمر يناهز 21 عاما، على درجة الماجستير في الرياضيات البحتة، باللغة الروسية، من جامعة موسكو الحكومية.
وبعد أقل من شهر من بدء العمليات الروسية في سوريا، تضيف الصحيفة، أن بشار الأسد، انطلق في أكتوبر 2015، من قاعدة حميميم باتجاه موسكو، على متن طائرة إليوشين 62-M، كما كان الحال أثناء هروبه، بعد التحليق فوق العراق وإيران وبحر قزوين لتجنب تركيا. هذا الخروج الأول للرئيس السوري خارج حدوده منذ بداية الحرب، ستتبعه خمس زيارات أخرى، بين عامي 2017 و2024، لموسكو أو منتجع سوتشي الساحلي، على شواطئ البحر الأسود.
لكن الطائرات الروسية لم تُستخدم فقط لنقل آل الأسد، بل كانت أموالهم أيضا تنتقل جوا. في عام 2019، قدرت منظمة جلوبال ويتنس غير الحكومية، المتخصصة في مكافحة نهب الموارد الطبيعية والفساد، أن أعضاء بارزين في عائلة مخلوف القوية، يرتبطون بالديكتاتور ويخضعون أيضا للعقوبات الأمريكية والأوروبية، يمتلكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار من العقارات المنتشرة في ناطحتي سحاب بمنطقة الأعمال الفاخرة في موسكو، والمعروفة باسم موسكو-سيتي.
الاستثمار الأكبر، تتابع "لوموند"، كان من قِبَل حافظ مخلوف، ابن عم بشار الأسد وأحد المهندسين الرئيسيين للقمع الدموي للاحتجاجات السلمية في عام 2011. ويبدو أنه يستقر مع زوجته في العاصمة الروسية منذ عام 2013. كما اشترى خمسة أشخاص آخرين من العشيرة، بينهم زوجة أغنى رجل في سوريا، رامي مخلوف، عقارات في نفس الموقع، بين يونيو عام 2019 ودجنبر عام 2023. وأيضا استخدم إياد وإيهاب الأصغر بين إخوة مخلوف الأربعة شركة مسجلة في روسيا لشراء طابق تقريبا من برج "الاتحاد" الأطول في أوروبا، في فبراير عام 2019، بقيمة 9.5 مليون دولار. في المجموع، تم شراء 19 شقة. وظهرت شركات، يتم تنسيقها أحياناً من لبنان، توضح "لوموند".
وبالنسبة لبشار الأسد، أوضحت الصحيفة الفرنسية أنه في غضون عامين، بين مارس 2018 وشتنبر 2019، أرسل البنك المركزي السوري شحنات "سائبة" من الأموال – حوالي طنين من الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أو 500 يورو، وفقًا لما كشفت عنه صحيفة فايننشال تايمز، في 15 دجنبر. وتقول الصحيفة البريطانية إنه خلال هذه الفترة هبطت 21 رحلة جوية في مطار فنوكوفو بموسكو، تحمل ما يقرب من 250 مليون دولار. ومما لا شك فيه أن الزعيم السوري السابق قام إلى حد كبير بتمويل الدعم العسكري والسياسي لحليفه – وفي الاتجاه المعاكس، قامت روسيا "بتصدير" الأوراق النقدية السورية الجديدة التي طبعها بنك جوزناك – لكن هذا التأصيل الروسي يكشف قبل كل شيء عن وجود تبعية أكبر على نحو متزايد، تقول "لوموند".
ومضت الصحيفة الفرنسية موضّحة أن أسماء الأسد التي أصيبت بسرطان الدم أصبحت تتردد كثيرا على العاصمة الروسية موسكو. كما بات خطابها الآن يتطابق مع خطاب فلاديمير بوتين: "إن التحدي الكبير الذي يواجه العالم أجمع هو تحدي الليبرالية الجديدة المفروضة على جميع الدول. ومن الواضح أن الهدف الرئيسي لهذه الظاهرة ليس تمييع الهوية الوطنية فحسب، بل الهوية الإنسانية أيضا. ومع ذلك، فإن كل هذا هو ما يحافظ على المجتمع، وبالطبع الأسرة"، كما جاء في مقابلة عام 2023 مع قناة روسيا اليوم.
والآن في روسيا، انضم لاجئ بوتين، بالإضافة إلى الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، إلى القرغيزي عسكر أكاييف، الذي أطاحت به ثورة التوليب عام 2005، أو الصربي ماركو ميلوسيفيتش الذي فر من بلاده عام 2000 مع والدته بعد رحيل الرئيس السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، ولكن خارج نطاق حكم القِلة العائلية، لن يجد بشار الأسد، البالغ من العمر 59 عاماً، أي مواطن ليتحدث إليه، إذ رفضت روسيا دائمًا منح اللجوء للأشخاص المجهولين الذين يحاولون الفرار من وطنهم المدمر، بحجة أنه "لا توجد حرب في سوريا"، تُذكِّر "لوموند".