قال رسول لله - صلى لله عليه وسلم -: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة لله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا لله أن يستر عوراتكم، وأن يُؤَمَّن روعاتكم"؛ رواه الطبرانى قال سبحانه-: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان } البقرة: جاء عن أبي هريرة - رضي لله عنه - أن النبي - صلى لله عليه وسلم - قال: "الصوم نصف الصبر". إن هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن تقوم العبادة فيه على الصبر على الطاعات، والصبر على المحرمات بإيمان واقتناع وليس مسايرة للعادات والتقاليد في اتباع لما عليه الناس من إجراءات الامتناع عن الاكل والشرب وغيرها من الشهوات المحرمة في رمضان وغيره من الأشهر ...ذلك أن الصبر على الطاعات يتطلب جهدا حتى تنجز على الوجه الأفضل تعلق الأمر بالصلاة المفروضة في أوقاتها وما تقوم عليه من نية وخشوع وخضوع وتربية .. أو تعلق الأمر بالصوم الذي يحتاج الى إيمان صادق .. وقدرة على التحمل تعبدا وتقربا الى الله بتصريف ضوابط الصيام كما أمر الله، وسن رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ...أو تعلق الامر بالزكاة أو الحج وغيرها من الطاعات التعبدية والأخلاقية والسلوكية .... إنه ترويض للنفس وضبطها على إيقاع يلتزم فيه الصائم بما قد يخالف رغباته وأهواءه ونزواته ويبني بذلك نفسه على الاطمئنان والسكينة ...فيخط طريقا للإصلاح والتغيير بدءا بالنفس مصداقا لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "الرعد ..وقال " إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي "يوسف .. وفي هذا قال الامام سفيان الثوري واصفا حالة إصلاح النفس وتقويمها " ما عالجت أمرا أشد علي من نفسي " ...مع ضرورة الارتكاز على إصلاح حاله مع الله وحاله مع الناس ... إن الوصول الى حالة الطمأنينة على مستوى العقل والقلب والافعال، مسألة جوهرية لا تتحقق عرضا بل تبنى ويؤسس لها بآليات وضوابط تنتج السكينة والاستقرار والحضور الأمثل أثناء الصلاة وغيرها من العبادات وسائر الاعمال. فصلاح كل الأمور بصلاح النوايا والقصد ...قال رسول لله (ص) " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " . وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ للَّهِ أَلَا بِذِكْرِ للَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد... وباستيعاب معاني وكنه ذكر لله - باللسان والعقل والافعال - تبنى الطمأنينة والسكينة. إن الصيام الشرعي لا يقتصر على الامتناع عن الفعل، بل يتعدى ذلك الإجراء الإرادي الى فضاءات رحبة وفيحاء ترقى بالانسان من الميولات والعادات المادية الانتهازية ..إلى طهر وصفاء ومواطنة صالحة بمعياري الشرع والعقل والمنطق ..."و لقد قيل .."بقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة". قال الفخر الرازى في تفسير أية الصيام لعلكم تتقون الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة فى سائر الأشياء. فإذا سهل عليكم اتقاء لله بترك المطعوم والمنكوح كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف . قال ابن الجوزي كم من صائم عن الطعام مفطر بالكلام دائب على القيام لكنه مؤذ للأنام، فهو من لسانه وفعله مأزور ..وعلى صيامه وقيامه غير مأجور. ومن هنا فحديثنا عن بعض ما يفسد الخشوع والطمأنينة لن يقتصر على ما ذكرنا بعضه آنفا، بل قد يعني الاعمال الصادرة عن أولي الأمر الذين إن خالطت المصالح الضيقة وحب السلطة والمادة سويداء قلوب البعض منهم، فإن ما سيصدر عنهم من قرارات وأفعال ستكون مناقضة لما يعلنون من افكار ووعود ..وستجعل كل متتبع يرى فيما يرى حالات انفصام في الشخصية واضطراب في اليات التدبير تشكك الناس في حقيقة مفاهيم الخير والشر والصدق والكذب والعمل الصالح والطالح .. ..ان المسلم الذي لا يستوعب حقيقة وفلسفة وروح رمضان لابد له ان يعلن ويشهر إفلاسه الروحي ...ويشرع في تثقيف نفسه وتأهيلها وترويضها حتى لا يضيع ما بين يديه وما خلفها ويضيع معه خلقا آخرين ... فالإنسان رغم أنه مستقل بذاته إلا أنه لا يمكن ان ينفصل وينقطع ويتناقض مع مصالح الناس كافة وطموحهم في الاستفادة من تربية الروح بالدين وتأهيلها بالعقل السليم ...