حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    بطولة إيطاليا لكرة القدم.. تأجيل احتفالات فريق إنتر باللقب ومباراته ضد تورينو إلى الأحد المقبل    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الصقلي: فن المغنى هو إبداع حامل للمعرفة … تصريحاتي هي فقط وقائع حياة إعلامي مغربي يعيش غربة قرار وليس غربة ديار

محمد الصقلي إعلامي كاتب وزجال مغربي ازداد ونشأ بمدينة مراكش وهو مقيم بروما منذ سنوات، تغنى له العديد من الفنانين المغاربة كما تعامل معه العديد من الملحنين، عرفه أيضا رواد الشبكة العنكبوتية من خلال خرجاته وتدويناته الغاضبة التي تترجم تارة استنكاره لما يشاهده في الساحة الفنية كما تنقل أشعاره وإنتاجاته التي يقتسمها على صفحاته تارة أخرى وأحيانا أخرى شهادات يعبر فيها عن قساوة الغربة والابتعاد عن الوطن هذا الوطن الذي تنكر له في شخص مسؤولين صادفتهم مسيرته المهنية المختلفة والغنية وحز في نفسه جحودهم ومحاولة تغييبهم لبصماته.
p أستاذ الصقلي أنت زجال وإعلامي وكاتب … ما هي الصفة الأقرب إليك؟
n أنا عاشق لكتابة الزجل أولا، فهو رفيق عمري منذ خمسة عقود، ثانيا أنا كاتب غير أن كتاباتي لم يكتب لها كلها النشر. جربت أجناسا كثيرة من سير ذاتية ومقالة صحفية بالمفهوم الشامل التي نشرت عددا منها على صفحتي الشخصية بالفايسبوك إلى غير ذلك.
لي رواية بعنوان «الساحة سرادات جامع الفناء» وكتاب «اليهود في الغناء المغاربي» وديوان زجل بعنوان «غني في خاطرك» الذي يتضمن أشعار البداية أي السبعينيات وما قبلها، وقد نشرته تلبية لإلحاح ثلة من أصدقائي ومن بينهم الفنان نعمان الحلو الذي طلب مني نشر نصوصي المغناة.
p حدثنا عن كتاباتك للأغنية.
n ليس تكبرا ولكن كتاباتي لها فرادتها وتميزها بالرغم من أنها بقيت محدودة بحكم عوامل شتى، والتي بغض النظر عن الغربة تمثلت في اكتساح الدخلاء للميدان ومحاولة البعض تغييبي. أما عن الكتابة عموما فقد أخذت من عمري الكثير ولم أجن منها سوى المحن والإحباط، فمكتب حقوق المؤلفين لم ينصفني لا في السابق ولا حاليا، فمثلا مؤلفي «الساحة» لم يحظ لا بحفل توقيع ولا بتوزيع كما ينبغي، وقد لجأ الناشر إلى توزيعه على الجمعيات الخيرية دون استشارتي. حياتي الآن في روما خاصة بعد انقطاع مورد الرزق، فأنا متمسك بالعيش الكريم والغربة تقول لي ابق حيث تقيم، فلا مكان لك في الوطن وهذه حقيقة موجعة.
p تنشر من حين لأخر تدوينات على صفحتك بالفايسبوك تعبر فيها عن إحساسك هذا ما مدى وقع الشعور بالغربة عليك؟
n علاقتي بالوطن هي عشق من جانب واحد، بالرغم من أن شرائح عريضة من المجتمع المغربي تردد أغنيتي «بلادي يازين البلدان»، ولطالما تساءلت مع نفسي وبمرارة مميتة ما إذا كنت فعلا مواطنا مغربيا خاصة عندما ألاحظ أن روما تفتح لي ذراعيها وتسمح لي بأن أعيش بالحد الأدنى للكرامة، بينما لم يتح لي وطني الذي لا أساوي لديه أزيد من تقاعد تعس بمبلغ 1500 درهم ذلك. وبالتالي وللصدق فإن توفر السكن والعلاج وتسهيلات التنقل هي ما شدني للبقاء في المهجر مع ابنتي هبة الله التي شهدت النور هنا، وطبعا هي متمسكة بمسقط رأسها.
p ومتى بدأ مسارك كإعلامي؟
n إجمالا تمتد تجربتي كإعلامي داخل الوطن على مسافة العمر منذ مطلع السبعينيات مع الإذاعة الوطنية التي غادرتها بعد معاناة وترحال طوال 13 سنة. وهذا هو الشطر الأول في تجربتي مع الإعلام، ثم الشق الثاني الذي قضيته بإذاعة ميدي1 مدة 11 سنة.
p هل يمكن التحدث عن هاته التجارب التي قد طبعت بلا شك العديد من المستمعين الذين كانوا يتابعونك. بالإضافة الى أنها بصمت مجالنا الإعلامي؟
n الحديث عن حضور ومرور محمد الصقلي في الإعلام الإذاعي في المغرب أترك التفصيل فيه لزملاء المرحلة وكل من تتبع مساري. أما عن تجربتي كإعلامي في الإذاعة الوطنية فيتعين لتوضيح الصورة أن أتوقف عند محطتين أولاهما العمل بالعيون وطرفاية والثانية مغادرة الراديو.
تطوعي للذهاب إلى العيون حصل بتاريخ 9 يناير 1976، أي أسابيع بعد المسيرة الخضراء، وقد كان ذلك استجابة لوازع المواطنة الصادقة، ولكوني ضقت ذرعا بمحاصرتي في خانة تضيق بمِؤهلاتي.. قضيت أزيد من أربعة أشهر بطرفاية في الإذاعة من الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا، وفي التلفزة من الخامسة مساء إلى منتصف الليل، ومن رفاق المرحلة أذكر الزميل أحمد الهيبة والأستاذ عبد القادر الإدريسي. تميزت هاته المرحلة بأقصى درجات الخطورة تمثلت في أخبار عن عمليات اختطاف وكمائن وصعوبة في الحصول على التموين وقد عشناها في عزلة عن العالم وببيئة مسكونة بالخوف والتوجس. كنا نحرر أثناءها تقارير الرد على دعاوى الخصوم ونذيعها.
وهنا لابد من التنويه بدور إعلامي كبير وهو المرحوم محمد جاد الذي قدم من ألمانيا للإسهام في خدمة الوطن، لم أر قط خلال هذه التجربة أصدق ولا أوفى من هذا الرجل الذي اجتمعت فيه المهنية بنكران الذات، وكم يحزنني ألا أحد يذكر لهذا الرجل تضحياته، بينما يتم تلميع أسماء وصور أشخاص باهتين خدموا مصالحهم وخدموا الإدارة أكثر مما أعطوا للوطن.
ثم جاءت مرحلة العيون كانت ظرفية جد دقيقة عشنا فيها على ضفاف الموت قصف وانقطاع للتيار الكهربائي ونحن بالأستوديو نواصل البث بدون انقطاع من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل. كنا نعد برنامجا بعنوان» وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» نتناوب على الكتابة والتحرير والميكروفون. وكان ضمن الفريق الزميل الخلوق محمد ضاكة الذي ترأس الإذاعة بعد محمد جاد، كنا خلية لا تتوقف عن العمل وغالبا ما كنا نقضي الليل تحت سقف واحد لرفع معنويات بعضنا البعض باختصار استغرقت التجربة التي أفتخر بها حوالي السنتين.
وهنا لابد من توضيح نقطة بالغة الأهمية والتي كان لها بالغ التأثيرعلى مستقبلي ككل، فقد جرت العادة أن يحظى كل من اشتغل بالمناطق المسترجعة حتى ولو لفترة أربعة أشهر بترقية، لكنني كنت الاستثناء الوحيد، إذ تم تجميد وضعيتي في السلم السابع، وأكثر من ذلك فقد تلقيت طعنة من الخلف وأنا أتحمل كامل مسؤوليتي في ما سأرويه:
في فبراير من سنة 1977 كنت في إجازة بمراكش فقصدت الإذاعة لترتيب عودتي للعيون في فاتح مارس وهناك استقبلني محمد بنددوش وطلب مني المشاركة في تغطية حفلات عيد العرش بمراكش ووعدني بأن يبلغ رئيسي المباشر غازي الشيخ مدير إذاعة العيون بذلك، لكن ما حصل إثر ذلك كان له وقع الكارثة علي إذ لم ألتحق بالعيون إلا بعد احتفالات عيد العرش، وتفاجأت بأن مدير المحطة أرسل «فاكسا» للإذاعة المركزية بالرباط ليبلغهم أنني لم ألتحق بعملي في الموعد المحدد، مما يعني مغادرة المركز وحرر لي بسببها بطاقة سفر بالطائرة للعودة إلى مراكش، كما أصدر الأمر بعدم السماح لي بدخول محطة العيون. كان الربط الهاتفي أيامها بالرباط يمرعبر لاس بالماس واستغرقت يومين لأتمكن أخيرا بالاتصال ببنددوش الذي تنكر لي وخذلني و لم يزد عن قوله «ادخل لمراكش وانشوفو حينها»، فصرخت في وجهه»أنا لا أشتغل بضيعتك». وفي مكتبه بالرباط تركني منتظرا من الصباح الباكر حتى الثانية بعد الظهر، وحين استقبلني قال لي»التحق بعملك في مراكش» فصرخت في وجهه «أنت يا بن ددوش أخفقت في أن تجعل مني بوليساريو». من يومها دخلت في صراع مفتوح مع الإدارة إلى أن أجبرت على مغادرة الراديو. وعندما طلبت الاستيداع القانوني حتى لا أحرم من حقي المشروع في الإحتفاظ بمنصبي. لم تستجب لي إذاعة الرباط وأسعفني الحظ بأن التقيت وزير الأنباء آنذاك عبد الحق بلقزيز الذي لم يتردد في الاستجابة لمطلبي. لكن الإدارة عرقلت تجديده ولاحقني قسم الموظفين بإذاعة الرباط برسائل تطلب إما العودة وإما الاستقالة، بينما استطاع زميلي مبارك الإبراهيمي الاحتفاظ بمناصبه في الإذاعة العمومية حتى التقاعد. وأخيرا لم يكن أمامي من خيار سوى الإذعان للضغوط من قبل مركزية الرباط فقدمت رسالة استقالة.
p أثناء تجربتك الإذاعية، هل كنت متخصصا في مجال معين؟
n لا يرتبط اسمي بأي برنامج معين. وفي هذا الصدد أعطيك نموذجا ربما يكون مضحكا، تصوري أن يكون المذيع الذي يقدم رغبات المستمعين في الثالثة بعد الظهرهو من يحاور في التاسعة ليلا من نفس اليوم عبر البث المركزي الوزير الأسبق الدكتور الشكيلي، وكان آنذاك رئيس مستشفى الغازي بسلا مرفوقا بالدكتور العبدلاوي. كنت حينها محروما من إنتاج برامج، لكنني كنت الحاضر باستمرار في كافة الندوات مهما تعددت محاورها والحريص على إغناء الحوار وتعميقه..، وأستدل هنا على سبيل المثال لا الحصر بلقاءاتي الإذاعية المتعددة مع الشاعرة والقيادية الحزبية مليكة العاصمة كنت كذلك مكلفا بتغطية مقابلات رياضية وتحرير تقارير صوتية عن أنشطة رسمية لوزراء وعمال أقاليم وفي نفس الوقت مطالبا بالسهرعلى الأثير حتى الثالثة صباحا، وكنت مطالبا أيضا في الثامنة من نفس اليوم بالمشاركة في تغطية دخول رسمي للملك الحسن الثاني لمدينة مراكش. وللإشارة فإن تغطيتي كانت محط تنويه وإطراء من قبل أحد مستشاري الملك وهو المرحوم أحمد بن سودة، وهو التنويه الذي لم يصلني إلا بطرق ملتوية بفعل التعتيم على صورتي.
p وماذا عن تجربتك في ميدي1؟
n في ميدي1 التي انطلق العمل بها في 15 أكتوبر 1983 خضت تجربة «طبخة الأخبار» وخصوصيتها وكذلك الكتابة في مختلف المجالات والتعليق علىها وتنشيط برامج منوعات..إلى غير ذلك، وقد كان لي شرف استضافة الفنان نعمان لحلو في مقابلة إذاعية، مباشرة بعد عودته من أمريكا والقاهرة. فضلا عن استضافتي للزميل ومنشط البرامج جمال السويسي، في حلقتين أفتخر بهما. كانت وضعية الصحفي بها متطورة جدا عما تعودنا عليه بالإذاعة الرسمية التي كان العمل بها يحبس الانفاس. تعلمت الكثير. وربطتني علاقة زمالة مع أسرة التحرير، ودام اشتغالي بالمحطة لغاية سنة 1994. لكن لاحقني سوء الحظ، وهو ما أدى بي إلى مغادرة المحطة وترك الوطن صوب المهجر، ذلك أنه بوشاية آثمة من شخص لازال يختال كالطاووس في الفضائيات الرياضية، جاءني المدير الفرنسي»بيير كازالطا» غاضبا ليستفسرني عن كيفية التي قدمت بها الخبر المتعلق بقصف الطيران الحربي الأمريكي لملجأ العامرية بالعراق، والذي خلف في بضع ساعات حوالي ستمائة من الضحايا المدنيين، قال لي ليس لك الحق أن تصف القصف بكلمة «بربري» .فأجبته قائلا بأنه قصف وحشي على غرار القصف النازي للمدنيين في باريس ولندن، فزجرني قائلا «أنت مهمتك أن تذيع الخبر، لا أن تعلق عليه». بعد أيام استدعاني لمكتبه لإبلاغي خبر منعي من الميكروفون ومن تحريرالأخبار وألحقني بقسم الأرشيف. كان الزميل إياه صاحب الوشاية قد قال للمدير إن تقارير الصقلي على المذياع فيها محاباة لصدام حسين. وطبعا الزملاء لم يكونوا في وضعية تسمح لهم بمواجهة قرار المدير العام، لكنهم بالمقابل أطلقوا على صاحب الوشاية نعت «الإنذار المبكر». كانت هاته النقلة شديدة الوطأة على نفسيتي سيما وأنني قبل أشهر فقدت طفلي الرضيع في القطار علي مشارف القنيطرة متجها به لمشفى السويسي بالرباط في اليوم الثاني من ولادته وقد لفظ أنفاسه بين يدي. هي عوامل تضافرت جعلتني أحزم حقائبي لمغادرة الوطن صوب أفق جديدة وتجربة أخرى علها تكون أسعد حظا.
p تقصد التجربة مع شركة أرببت بروما؟
n بالفعل توصلت في تلك الأثناء بعرض عمل مع شركة أربيت التلفزيونية بروما وكان ذلك بداية من شهر يونيو 1994.
هاته التجربة كانت مختلفة ومغرية وغنية بالمعطيات الجديدة، كالعمل بالتلفزيون المتعدد القنوات، كانت مهمتنا في البداية تتمثل في إطلاق قناة إذاعية متخصصة في الموسيقى العربية على مدار الساعة، وكنت مهندس هذه القناة. بعدها تم تعييني كمسؤول عن قسم الإعلام والخدمات العربية بست قنوات قطاعية متخصصة، كانت مهمتي فضلا عن خدمات إدارية وتسجيل ومضات إشهارية وإعلانات، تتمثل في كتابة تقارير صحفية تنشر بجرائد الخليج حول البرامج السياسية التي كان ينشطها من القاهرة الإعلامي عماد الدين أديب وأهمها تحديدا البرنامج الذائع الصيت»على الهواء» والتي استضاف فيه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات والملك الحسين ومعمر القذافي وغيرهم وكثير من الزعماء والساسة ونجوم الفن أيضا. ثم التغطيات الصحفية للمسلسلات التي كانت أوربت سباقة لبثها حصريا، إجمالا خلال هاته الفترة وبعد فترة من العمل الذؤوب، وكان ذلك في غضون سنة 2007 تبخر كل شيء، وإذا بالمؤسسة العملاقة التي يملكها أميران من الأسرة الملكية السعودية تختفي بين عشية وضحاها وتعلن الإفلاس وتلقى بما لا يقل عن 630 من الأطر في عرضي الشارع بدون حقوق ولا تعويضات. انقطع بعد ذلك حبل العمل كإعلامي وكان الإبن الأكبر في بداية سنته الجامعية، وكما هو معلوم، فإن تكلفة العيش بروما باهضة ولو كنت في فرنسا مثلا لتيسرت لي فرص أكبر، لأن تكويني مزدوج، أما في إيطاليا فالشغل ب»اربيت» لم يتح لي فرصة تطوير لغتي الإيطالية بالقدرالذي يخولني العمل في إذاعة أو تلفزيون.
أود أن أوضح هنا أن كل ما ورد في تصريحاتي ليس من قبيل الشكوى أو التظلم، هي فقط وقائع حياة إعلامي مغربي تراوحت به الحياة بين ضفاف الوطن والمهجر وعاش غربة والتي أعتبرها غربة قرار وليس غربة ديار.
p وهل كانت لك أنشطة أخرى بروما غير العمل الإعلامي؟
n كانت لي تجربة في العمل الجمعوي، لكنها سبب لي متاعب، فقد كان مضيعة لوقت وجهد. كنت متطوعا في جريدة «المغربية» الشهرية وأنشأت برنامجا أسبوعيا للجالية لأزيد من سنة على راديو»أوندا روسا» كان لي أيضا إسهام في الزيارات التي تقوم بها الوفود البرلمانية المغربية كما في الملتقيات حول حوار الثقافات وحرية المعتقد. أما عن المتاعب، فقد لاحظت أنه في ظل غياب شبه كامل لتمثيلية فعلية لمغاربة إيطاليا، بالرغم من نسبتهم المكثفة، لا من خلال جمعيات مدنية ولا حتى على مستوى الإعلام، وجدت نفسي وحيدا في مواجهة أعداء وحدتنا الترابية، إذ كلما تعلق الأمر باعتصام أمام السفارة ومن ثم اعتبروني الناطق الرسمي باسم السفارة المغربية، فكان لابد أن يجمعوا معلومات عني وقد تعرضت فعلا لمضايقات من قبل عناصر من بلد الجوار. لم أطمع يوما ولو حتى برسالة شكر من طرف سفارة بلدي بعد تعدد هاته الخدمات.. ولكن حز في نفسي أنه بعد أن فقدت شغلي في شبكة أوربت، لم أجد إطلاقا أي نوع من المؤازرة من قبل السفارة. حتى لما توجهت برسالة التظلم للعاهل السعودي ووضعتها بمكتبه مطالبا بحقوقي المشروعة، هاته الرسالة التي لم أتلق عنها جوابا، لم يتم متابعة ملفي من طرف سفارة بلدي هي الأخرى.
p عودة للفن، من هم المغنيون و الملحنون الذين تعاملت معهم؟
n انطلقت بأغنية»صبية» وهي من غناء الفنان محمود الإدريسي ولحن الصديق الراحل أحمد كورتي، كان ذلك منذ مطلع السبعينيات أعقبها تعامل مع العميد الموسيقارعبد الوهاب الدكالي. وهنا أفتح قوسين لأقول بأن هذا التعامل أفتخر به بشكل استثنائي في مساري، إذ لأول مرة هذا الفنان الطيب يقوم بتلحين نص غنائي واحد ليضع له لحنين مختلفين مع فارق بضع سنوات. الأول بطابع غربي تحت عنوان»الهارب» ثم «المحال» بصيغة مغربية وهو من وضع عنواني الأغنيتين. تعاملت أيضا مع الفنان عبد الرحمان الكردودي وبمبادرة جميلة منه، إذ لحن لزوجته الفنانة الكبيرة بهيجة إدريس، مقطوعة «مقدر لي نعشق» وتذاع بعناوين مختلفة «هو مالو» أو «أيام زمان»، ثم تعاملت مع الفنان محسن جمال حيث لحن لي أغرودة «أحلام الصيف» وهي من غنائه.
شكل تعاملي مع الفنان نعمان لحلو نقلة محورية في تجربتي كشاعرغنائي، إذ انطلق التعامل سنة 1994، برائعة «بلادي يا زين البلدان» وكان ذلك تحديدا أشهرا فقط قبل هجرتي لروما. ثم تمثلت التجربة الثانية في أغرودة «مراكش بهجت ليام»، بعد عقد زمني من لقائنا الأول. في هذا الأثناء ودون أن نلتقي، بادر الفنان محمد الزيات باختيار نص مقطوعة لي بإسم»صباح الخير» وجدها على صفحتي بالفايسبوك، فاتصل بي وأنا بروما وأسمعني اللحن الجميل الذي عهد به للمطربة أسماء لزرق.
الهجرة أثرت بشكل كبيرعلى إنتاجي في هذا المجال، إذ انقطعت الصلة مع الوطن وبالتالي مع أهل المغنى رغم كوني لم تكن لي صلة وثيقة بأغلبهم، كان هناك استثناءات تتمثل في الفنانين نعمان لحلو، محمد الزيات وعبد العاطي امنا وعبد الواحد التطواني. ماعدا ذلك جدار سميك لا تواصل. لكن بالرغم من عدم التواصل الشخصي كنت دائم الصلة بروائع أغنيتنا العصرية بأمجادها ورموزها ونجومها..، ولطالما كتبت عن إسكات فنانين كبار أبعدوا عن المشهد الفني وأتساءل هنا، أي بديل يا ترى عن تسريح كافة الأجواق التي كانت تابعة للإذاعة وعن فك الإرتباط تماما بينها وبين المبدعين المتميزين الذين أجبروا على التقاعد. وأظن أن هذا هو السبب الذي أفضى إلى إفلاس أغنيتنا العصرية، أما ما نسمعه ونشاهده الآن ليس سوى هذيان يفتقد للجمالية ويفسد الذوق، وإلا فبأي معنى في قول القائل»الحب في يامنا ضربو لخلا» أو»مللي شفتك ما بقيتش صطابل» و»غير عشقتك تقطع الكابل» والأنكى من هذا أن تنفق مبالغ طائلة على هذه الأنماط التي يشجعها الإشهار وجهات أخرى لا هم لها سوى إفساد الشباب والأجيال الناشئة. ثم هذا التهويل والتطبيل باسم التراث، لأنماط تعود بنا إلى عهود الإقطاع.
p ما هي رسالتك التي تود توجيهها حول الفن؟
n في هذا الصدد أريد أن أقول لمن يتولون الأمر وحتى لمن يقفون وراءهم، أن فن المغنى هو إبداع حامل للمعرفة. ألم نردد مع فيروز «أعطني الناي وغني.. وانسى داء ودواء..»؟ عبر صوت فيروز وصلتنا نماذج من التراث الشعري العربي، بدءا من عنترة حتى سعيد عقل وبشارة الخوري ومحمود درويش، فضلا عن روائع الزجل، فبصوت أم كلثوم وصلتنا أشعار أحمد شوقي وأحمد رامي و لحن عبد الوهاب. قصائد فصيحة وتعامل مع نزار قباني..إلى غير ذلك، ولدينا أيضا بالمغرب تجارب كانت حاملة لبشائر على غرار تجربة عبد السلام عامر مع عبد الرفيع الجواهري ومحمد الخمار الكنوني. حاليا أصبح الحديث عن هذه الأعمال كما لو أنها تنتمي للعصور الغابرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.