قال تعالى: (إِنَّ للَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ للَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ للَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ للَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (*)) سورة النحل وقيل العدل هو: (استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير) وعرّفه ابن منظور -صاحب لسان العرب- بأنه : « ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور.. وهو الحكم بالحق». وللعدل تجليات ومسميات مختلفة مثل القصد، الاستقامة، الوسطية ، الميزان، ،وهو الذي قام عليه الوجود كله بالحق خلقا وإنشاء وتطورا وتدبيرا ومآلات.. ويقال: (أصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه…والظلم: الجور ومجاوزة الحد. والميل عن القصد.) وقال تعالى: ((إِنَّ للَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ للَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ للَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)) سورة النساء عندما يتحول القول والفعل إلى ضرر وظلم وانتهاك ومساس بكرامة وحقوق الناس وخصوصياتهم ومكتسباتهم، كان ذلك بسبب أفراد عاديين، أو يمثلون مؤسسات، أو بسبب قرارات واختيارات وسياسات في مختلف المجالات الخ …فذلك مساس وإخلال بقواعد العدل وتجليات العدالة، إنه نقيض للحق وظلم صارخ يمنعه الدين، ولا تقبل به القوانين الديمقراطية المحترمة لحقوق الإنسان وروح العدالة والقيم النبيلة المتعارف عليها قديما وحديثا … فأن يتحول المواطن من وضعية معينة يطلق عليها شعبية مبنية على القناعة بالقليل والكفاف والعفاف بعد جهد وتضحيات وصبر متجدد، إلى حالة يصبح فيها أكثر فقرا وخصاصا، أو أن يتحول منها إلى شخص ميسور أو واسع الثراء في ظرف وجيز، فالأمر يحتاج إلى دراسة وبحث جدي وموضوعي، للوقوف على الظلم الذي حصل لوضع حد له وتجنب أسبابه .. إن الفطرة السليمة وحتى بصيغتها البدائية، تجمع بين الرحمة والعدل والدفاع المستميت عن الحق حسب التوصيف الذي يحدده مستوى الوعي والمعرفة والإيمان الناضج بقيم التوازن والكرامة والتوقير والتعاون على الخير ، وعدم انتهاك حقوق ومكتسبات الآخرين التي تحققت بالكد والسعاية والتضحية والجهد .. إن الرقي الحضاري وقوة الدولة والأمة وازدهارها، يترسخ ويزداد تألقا بمقدار ما يكون المجتمع مؤمنا ومتشبعا بقيم العدل والعدالة في الأسرة وبالحياة المشتركة والعامة وبالمسؤوليات، بالأسواق والشوارع والمساجد وأماكن التعلم. وستصبح الأمة بكل مكوناتها مؤمنة حقا بالعدل قولا وعملا،عندما تكون النخب بالدولة من أعضاء حكومات وحكام وقضاة وأمن وكل العاملين في القطاعات والوظائف والخدمات العامة والخاصة متشبعين بالقيم الإنسانية النبيلة في احترام للجسد والنفس والروح والممتلكات والخصوصيات، ومحصنين من المحسوبية والزبونية والغل والارتشاء، ولايجاملون ولايخشون في لله لومة لائم وبانحيازهم للحق والنزاهة.. قال الإمام علي عليه السلام: (إن العدل ميزان لله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه.).. وقال ابن خلدون «العدل أساس العمران».. (بقية ص: 3)