1 منذ متى ، وأنا كنتُ أنظر إليك ، أيُّها السردابُ المدلهّم ؟ عندما تسعفني العبارة ، كشاعر مجنون ، سأكتبُ لك أيها الغريبُ عن وطن ضاع بين كتب صفراءَ باليةٍ ، تاريخه منسي ومنذور للأساطير والخرافة . سأرسم لك سمْتا يتيه في برارٍ ساهمة . لا تحاول أن تتنصلَ من حكايتك ، التي كنتَ ترويها لصبية تخاف رذاذ المطر . كنتُ أنظر إلى هذا السرداب ، بعين وجلة ومائية ، وكلي أمل أن يمر طيفك العزيز ليس فقط على الجدار ، وإنما فوق هذا التراب الندي ، كي يترك بصمته . من علٍ ، وقد قل نظيره ، كانت قطط فوق الأفاريز تموء مواء يملأ المكان هرْجا و مرْجا . فكلما أحست القطة بنشوة عابرة ، تخمش اللازورد بأظافرها ، وتثور بدوران متمسح بين الأرض وزرقة السماء ؛ كي تنام قريرة العين ، وهي ممددة بطنها على القرميد الأرجواني . حمل صبي حجرة صلداءَ، وهو ينظر إليهم في ذهول . أغمض عينه اليسرى ، بينما ظلت اليمنى مشرعة على الهدف ؛ قطط تتناسل في اشتهاء بالغ . هذا السرداب جدار يمخر عُباب زقاق ، يفصله إلى عذوتين . يعكس ظلالا آدمية ، يسكنها الليل الأليل المعتم . تمر كأشباح خفيفة الظل . لن أنام هذه الليلة حتى تعود ، بل حتى تطرق جزمتك الغليظة مراقي عمارة مدفونة وسط الحي الشعبي . ولن تتمسح بالدرابزين كمخمور تقيأته الحانة ، فجمع سرواله المبلل من البول ، وزنّره برقعة ثوب عفنة . نظر إلى البدين ، و هو منتصب أمامه كجذع نخلة في بطن المفازة ، يخزر بعيون كبيرة ، كعيون المها . ينتظركَ أن تدفع له ما تقيأته على الإسفلت البارد . 2 ها هو ذا ماء الغدير الصَّافي الزُّلال … ها هو ماء الغدير الزُّلال … يدفعُ عبد السلام عربته أحادية العجلة . بها قِربٌ مُطيَّنة ، يتندى منها الماء . العربَة بها خُرم صدئ يَنزُّ منه الماءُ ، كعبرات سيدة في إحدى لوحات بيكاسو ؛ فيبلل بنطلونه المشدود بسوار مفضَّض على كتفه المهزوزة . كنت أقف عنده ، وأطلب منه أن يملأ لي القدرَ بماء الغدير . يرسي مركبته الفضائيَّة ، وهي تسيل منها قطيرات الماء . فيحمل آنية ، ويملؤها عن آخرها. يقول : إن حذائي مفتول بالحديد ، أرسله لي أخي من الديار الفرنسية . ضع إصبعك هنا . الويل ! ثم الويل ! لمن سوَّلت له نفسه ، أن يجرّدني من قوتي اليومي . يقولها ، وقد تحلقت حوله صبية ، فأشبكوا أصابعهم الصغيرة حوله ، فظهر عبد السلام في قلب مزهرية من طفولة غنبازية .