من الواضح أَن التطور الكمي الذي عرفته المدن المغربية، على مستوى عدد السكان بما يستتبعه ذلك من حاجيات في العمران والمرافق والخدمات، دفع إلى التركيز كثيراً على المجال الحضري أكثر من المجال القروي، رغم أن هذا الأخير مازال يمثل 40 في المئة من الساكنة، وحوالي 90 في المئة من مساحة المغرب، ويبدو هذا واضحاً في الخطاب السياسي، الرسمي على الخصوص، الذي يتناسى، في بعض الأحيان، الوضع المزري الذي يعيشه سكان القرى، على مختلف المستويات. ويمكن القول، إن الانتقال السريع الذي عرفه المغرب، حيث أصبحت ساكنة المدن تمثل الأغلبية، ساعد على تواري العالم القروي في الخلف، ليتم التركيز على المدن، حتى على مستوى الاهتمام الأكاديمي والعلمي، بينما كان الوضع مختلفا، إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت الدراسات السوسيولوجية والأنتروبولوجية والاقتصادية، تهتم كثيراً بالمجال القروي، وتعتبردوره رئيسيا في فهم طبيعة المجتمع المغربي. ورغم انتقال الثقل السكاني إلى المدن المغربية، فإن العالم القروي مازال مؤثرا في الواقع المغربي، على مختلف المستويات، من أهمها ما ينتجه على المستوى الزراعي ومن اللحوم، وغيرها من المنتوجات الفلاحية، لكن أيضا على مستوى ما يزخر به من طاقات شابة، تعيش التهميش المطلق، نظرا لضعف الخدمات الثقافية والتربوية، إذ يسود الهدر المدرسي، بالإضافة إلى ضعف التغطية الصحية والاجتماعية، بالنسبة لكل السكان، واهتراء البنيات التحتية من طرق وقناطر وغيرها. ومن المعلوم أنه بالرغم من وجود عدد من المدن الصغرى والمتوسطة، التي قد تدخل تحت تسمية العالم الحضري، إلا أنها مازالت مرتبطة بشكل كبير بالعالم القروي، يعيش أغلب سكانها من النشاط الفلاحي، لكنها تعاني مثل ما تعانيه القرية من صعوبات وتهميش، لذلك، فالمقاربة التي تعتبر أن ما تعرفه بعض الجهات من تطور وتقدم في مدنها الكبرى، لا تنعكس على باقي مناطق الجهة، إذ بمجرد الخروج من المركز الحضري، إلى البادية، يتم الانتقال من عالم إلى عالم آخر، كما لو كان سفراً في الماضي.