الآن يحق لنا أن نرفع رؤوسنا في سماء الحرية ، نسافر عبر تاريخنا الوطني النضالي و السياسي ، نستعيد معها شريطا من الأحداث بكل مأسيها بدمويتها و ساديتها التي أنهكت جسم الوطن و رسمت ندوبا و خرائط من الآلام و الجراح على أجساد حرة آمنة منذ انخراطها في العمل السياسي على أن الوطن للجميع و كل شيء يهون في سبيله ، ثلة من المناضلين الدين نهلوا من مدرسة الوطنية و الحرية و الديموقراطية و التقدمية ، ظلوا صامدين رغم قساوة التعذيب و ضراوة الجلادين و تكالب أشباه السياسيين و الأقلام المؤجورة للطعن في شرفهم و انتمائهم الوطني و الديني ، فكان مشروع المصالحة الذي أطلقه جلالة الملك اشارة قوية على بداية عهد جديد تصالحت فيه الدولة مع تاريخها, لكن ليس بالزخم الذي كنا ننتظره و ينتظره معنا ضحايا الانتهاكات الجسيمة ، كشفت ملفات ، نبشت قبور و تعويضات مادية لضحايا سنوات الرصاص في انتظار التعويض المعنوي و للقصة بقية ننتظر مع كل شرفاء و أحرار الوطن الذين يؤمنون بأن استشراف المستقبل مرتبط باستقراء الماضي، أن نطوي و الى غير رجعة صفحة دموية سوداء من تاريخنا السياسي بالكشف النهائي عن ما تبقى من الملفات و على رأسها ملف حقيقة اغتيال الشهيد المهدي بن بركة. في حقيقة الأمر يصعب على الإنسان الكتابة عن مناضل كبير في حجم و قيمة الشهيد عمر بن جلون ، خاصة و أن كاتب هذه السطور لم يعايش الشهيد عن قرب و إنما تعرف عليه مع أبناء جيله من خلال الوثائق و الأشرطة التسجيلية و الشهادات الحية لأصدقاء الشهيد، و كذلك من خلال الوثائق و المساهمات الغنية و من الأرشيف الثري الذي تركه لنا الشهيد عمر الذي اغتالته يد الغدر و التطرف في أحد أيام الدارالبيضاء الباردة من سنة 1975، ترصدته عيون القتلة التي كانت تراقب تحركاته أينما حل و ارتحل لتجهز عليه بكل الحقد واضعة بجريمتها النكراء هاته حدا لحياة حافلة امتدت لسنوات من البذل و العطاء و الوفاء للقضايا الوطنية ، القومية العربية و الاسلامية ، نستعيد اليوم واحدا من رموز النضال السياسي الوطني الشهيد عمر, يطل من شرفة التاريخ النضالي النقي, يدين كل خونة الوطن و القضية و مرتزقة العمل السياسي ، يعانق كل القيم الحداثية المتنورة ، نستعيد ذكرى اغتياله لنعيد معها شريط الأحداث التي طبعت مسيرة القوات الشعبية في سيرورة العمل السياسي الوطني منذ التقرير الاديولوجي في المؤتمر الاستثنائي الذي كان الشهيد أحد رموزه ، فعمر بن جلون هو واحد من المناضلين الذين نذروا حياتهم لخدمة قضايا وطنه و شعبه و حزبه بعيدا عن المزايدات السياسية رغم شراسة التعذيب الذي كان يتلقاه من جلادي العهد البائد الذين تفننوا في اخراج كل أنواع التنكيل الجسدي و النفسي ، ظل عمر خلالها صامدا لم ينحن للمغريات أو يستسلم للجلاد حتى عندما تلقى طردا ملغوما كان بحق تهديدا صريحا بأن هذا الدينامو - المتحرك على جميع الجبهات النضالية القادم من تخوم النجود العليا من بلدة عين بني مطهر مسقط رأسه حيث قضى طفولته , أصبح هدفا مشروعا للعديد من الأطراف التي كانت ترى فيه خطرا يتهدد مشاريعها و يعيق تنفيذ أجندتها التي كانت بالأساس لخدمة أهداف خارجية لا تستهدف الشهيد عمر وحده و انما تستهدف المغرب كدولة ، كمؤسسات حرة ديمقراطية و ككيان قائم الذات. لقد أخطأ كل من كانت له يد في عملية الاغتيال الجبانة هاته ، لكل الذين خططوا ، مولوا ، نفذوا و باركوا, أنكم بإجرامكم اتجاه رجل مسالم قارعكم بالفكر فقتلتموه بالغدر، لن تقتلعوا عمر من عقول و قلوب كل من عاشروه و عاصروه أو حتى الجيل الذي جاء بعده و ينهل اليوم من فكره و تراثه الذي يظل حاضرا في ادبياتنا الحزبية الجمعوية و الاعلامية ، فالكل اليوم مدين لهذا الرمز الذي كان يعتبر دائما الممارسة السياسية هي قبل كل شيء التزام و اخلاق أمام الوطن و المجتمع معا ، مارس قناعاته بكل حرية و دون تعصب أو خوف أو تملق لأي جهة او مؤسسة مهما كانت طبيعتها. مات عمر و لازال فكره حاضرا في وجدان كل أحرار الوطن و يبقى اسمه يخيف قتلته بعد كل هذه السنوات و يبقى مطلب الكشف عن كل المتورطين في هذه الجريمة السياسية قائما, فالملف لم يغلف مادامت الحقيقة ناقصة ، فعمر سيبقى الذاكرة الحية التي لا و لن تموت مادام هناك شرفاء يعرفون جيدا حقيقة ما يمثله عمر و أمثال عمر في ذاكرة وطن بكل أطيافه ، و من هذا المنطلق نعاود مطالبة القيادة السياسية في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية العمل على اخراج مؤسسة عمر بنجلون الى الوجود و جمع تراثه و أعماله لتكون مرجعا لكل المهتمين و الدارسين و تكون نبراسا نستلهم منه أخلاق الشهيد و كل سنة و عمر بألف ذاكرة .