الدكيك يؤكد أن التتويج القاري الثالث ثمرة عمل دؤوب ومدرب أنغولا فخور بمواجهة أفضل منتخب إفريقي    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء بمختلف المناطق المغربية    اتفاق "مغاربي" على مكافحة مخاطر الهجرة غير النظامية يستثني المغرب وموريتانيا!    اعترافات مقاول تسائل مبديع عن أشغال تهيئة غير منجزة في الفقيه بنصالح    الصين: مصرع 4 أشخاص اثر انهيار مسكن شرق البلد    الموت يفجع طليق دنيا بطمة    المعرض الدولي للفلاحة: اعتماد إعلان المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية    تصنيف "سكاي تراكس" 2024 ديال مطارات العالم.. و تقول مطار مغربي واحد ف الطوب 100    كندا.. حرائق الغابات تجتاح عددا من المقاطعات في غرب البلاد    دورة تكوينية بتطوان لفائدة المفتشين التربويين بجهة الشمال    سلسلة من الزلازل ضربات تايوان اليوم ومنها للي قوتو وصلات 6,3 درجات    بنما.. الاستثمار الأجنبي المباشر يتراجع بأزيد من 30 بالمائة منذ بداية العام    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    ثمة خلل ما.. المعرض المغاربي للكتاب يحتفي بالأديبة الناظورية آمنة برواضي    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    إطلاق دعم إضافي لفائدة مهنيي النقل الطرقي    الحركة يكشف مبررات تنازله عن لجنة العدل وينادي بإبعاد البرلمان عن تصفية الحسابات    ولي العهد يسلم شهادات اعتراف بالعلامات المميزة لمجموعة من المنتجين    المؤتمر الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش ينتخب ممثليه بالمجلس الوطني    الحسيمة.. حفل ثقافي لإبراز التفاعل الوجداني بين الموسيقى والشعر    الإنفاق العسكري في مرمى التوتر الجزائري المغربي!    بطولة إيطاليا.. إنتر يتوج بلقبه ال 20 بفوزه على ميلان في عقر داره    الحكومة تدرس نظام الضمان الاجتماعي    فرنسا تشيد بأداء الشرطة المغربية .. تصور واقعي وخبرة في مكافحة الجريمة    فاس.. قتل شخص وإضرام النار في جسده لإخفاء معالم الجريمة    ها امتى غيحكم الكاف فحادث ماتش بركان و USMA والعقوبة كتسنا الفريق الجزائري بسبب تعنت الكابرانات    أقمصة نادي بركان.. بنتوك: النظام الجزائري يستغل أي مناسبة لإظهار عداوته للمغرب    الرباط تحتضن أشغال محاكاة القمة الإسلامية للطفولة من أجل القدس    "النواب" يستكمل هيكلته والتوافق يحسم انتخاب رؤساء اللجن الدائمة    الأمثال العامية بتطوان... (579)    كرة القدم داخل القاعة .. بعد التربع على القمة إفريقيا، أنظار أسود الأطلس تتجه صوب كأس العالم    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة يستنكر منع مسيرته السلمية بالرباط    لقجع احتفل بأسود الفوتسال وقال لهم: سيدنا والمغاربة كيتسناو منكم كاس العالم خاصنا تخرجو من مونديال أوزبكستان أبطال    مرصد العمل الحكومي يرصد جهود الحكومة لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة    بورصة الدار البيضاء.. تداولات الإغلاق على وقع الأحمر    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    مشاركة متميزة للسينما المغربية في مهرجان موسكو    تقديم المساعدة لمرشحين للهجرة غير النظامية ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء    أسعار النفط تنخفض متأثرة بتجدد التركيز على أساسيات السوق    نصف المواليد الجدد يعانون من فقر الدم والمولدات يقمن بأدوار محورية في حماية صحة الأم والطفل    ارتفاع أسعار الفواكه والخضر واللحوم بالمغرب    الجيش الإسرئيلي علن على استقالة رئيس المخابرات العسكرية وها علاش    إصابة فنان فرنسي شهير بطلق ناري في الصدر    إسبانيا ضيف شرف معرض الفلاحة بالمغرب وبلاناس أكد أن هاد الشي كيشهد على العلاقات الزوينة بين الرباط ومدريد    يوتيوب "يعاقب" سعد لمجرد بسبب متابعته في قضية "الاغتصاب"    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    على غفلة.. تايلور سويفت خرجات ألبوم جديد فيه 31 أغنية    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    المغرب.. الأسبوع الوطني لتلقيح الأطفال من 22 إلى 26 أبريل الجاري    دراسة تكشف فوائد نظام غذائي متوازن للحفاظ على صحة الجسم    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقة ما بعد السرد مع نظرية الرواية ليندا هتشيون
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 01 - 2020

دراسة أشكال و أساليب ما بعد السرد ترافقها بالضرورة اهتمامات ثابتة لمشاكل متكررة- منها الخطوط التي يرسمها الوعي الذاتي للنصوص نفسها بحيث تتوازى فيها أفعال الكتابة و القراءة، ومنها أيضا إشكالية القارئ التي تأتي لاحقا (وترتسم خارج النص)، ومنها موضوعة الحرية التي يحتاج إليها القارئ. ولدينا مشكلة أخرى، لا تغيب عن الذهن لا سابقا و لا لاحقا، و هي الفرق بين ما ندعوه محاكاة الآلية و محاكاة المنتوج.
و كما قال كلوديو غولين: «إن إمكانيات الشكل الاستثنائي للعمل اللفظي الذي يقوم به الفن يبدو أقل نأيا بالنفس لو أن المرء نظر إلى «الشكل» الشعري (نتاج الكاتب باعتبار أنه صانع أو شاعر) وكأنه نتاج وسيرورة إبداعية يتضمنها هذا النتاج- أو كأنه صانع لأشكال؛ فالبنية الثقافية، هي حساسية ديناميكية، توازي ما يسمى تشكيل البنية».(1). ويشير التاريخ الأدبي إلى أن اللغات النوعية الجديدة ضرورية لتطوير أنفسنا وللتلاؤم مع الأشكال الأدبية الجديدة. وفي حالة السرديات، لا يمكن أن يكون هذا السياق أكثر وضوحا مما هو عليه الحال في الوقت الحاضر: والمعادلة التي تطورت مع الوقت بخصوص الرواية ومفهومات الواقعية التي عكسها القرن التاسع عشر قد واجهت التحديات، و اعتدى عليها ما بعد السرد الذي عكس نفسه بنفسه. وكي لا نقلل من شأن هذه التحديات الأدبية علينا أن لا نعزوها لحقائق نتعرف عليهامن خلال شرح فلسفي وإيديويوجي أو علمي (2)، كما قد يخطر في ذهننا، ومع أن هذا أحيانا شيء مفيد، على المرء أن يبدأ بقبول الحقيقة البديهية و كأننا نتعامل هنا مع مشكلة تتعلق بطرائق التاريخ الأدبي و قانونه، و أن نعمل على البحث عن حلول من داخل هذه المرجعيات الاصطلاحية. وعلى ما يبدو إن الوعي بالذات في السرد هو ظاهرة كونية. وهذا واضح في أعمال الرومنسيين الجدد في فرنسا، وعند جماعة 63 الإيطالية، و في أعمال كتاب آخرين من بارت و حتى بورغيس، ومن كوهين حتى كوفير، و من جون فاولز وحتى خوليو كورتازار.
وهذا لا يعني أن هذه الظاهرة جديدة على الأدب(3)، فمحاولات شيللي في الغنائية التي تضبطها عقلية شعرية كانت موضوعا للخطاب الشعري. ولا يعني أن الخلاف بين رواية الحكايات والقصة شيء جديد على الرواية، فتريسترام شاندي كانت تتبع هذا الأسلوب .(والشاهد على ذلك هذه الجملة من الرواية: «لدي ميول قوية في داخلي لبداية هذا الفصل(1،23) بثرثرة طويلة، دون أية قيود أفرضها على أوهامي و تخيلاتي».
من ناحية أخرى لا يمكن أن تؤكد أن تلك المتطلبات المتزايدة التي تنهال على القارئ تعتبر جديدة، إنك تجد مناقشة ذلك في القارئ الضمني لولفغانغ إيسير (بولتيمور، منشورات جون هوبكنز، 1974).
فالقراءة و الكتابة كلاهما لون من ألوان النشاط و التمرينات الإبداعية وهذا شيء مستمر. وربما إن درجة الوعي بالذات المتعلقة بجوهر تلك المتوازيات قد شهدت نموا متعاظما. في تجربة ما بعد السرد كان على القارئ أو على فعل القراءة نفسه أن يصبح جزءا من الأفكار التي توجه أوضاع السرد، وأن ننظر لها و كأنها فعالية مرافقة لعملية الإنتاج.
في ضوء هذا الأسلوب، ليس من المستغرب أن تكتشف اهتماما متزايدا بجماليات القارئ. وسوف نتعرض لبعض هذه النظريات لاحقا. ومع ذلك إن الآراء السلبية المنصبة على ما بعد السرد الجديد والتي ترتكز على مفهوم موت الرواية، تحمل بذور فنائها في ذاتها، وغني عن القول إنها «ليست صحيحة»، وهذا قد يشير إلى أن بعض اتجاهات نقد الرواية قد ثبت بطلانها. والمفهوم المقبول على نحو واسع عن الواقعية الروائية، وهو في جوهره وصف مؤقت، قد أثار اهتمامات أوسع تتخطى نطاق حدوده في محاولة لاستيعاب كل أشكال وأنواع السرد.
مثل هذا التعميم قد لا يكون عادلا مع قضايا ما بعد السرد الحديث، ولا مع جنس الرواية ككل. ويهمل حقيقة تستحق أن تكون في الذهن طوال الوقت- أن دون كيشوت هو أول سرد يعتمد على أسلوب الإخبار عن الذات وأنه يضفي على السلطة ونتائج التعامل معها صفة موضوع، وهذا ينسحب أيضا على آلية عمل كل من الخيال الإبداعي و لغة الأدب (4). وما يسميه إيان واط في نشوء الرواية (لندن: شاتو و وندوس،1957): واقعية العرض، والإشارة هنا للرواية الإنكليزية في القرن الثامن عشر ومثالها ريشاردسون و ديفو، هو في الحقيقة واقعية التحليل الذي يعتمد عليه بنفس الدرجة فيلدينغ و ستيرن.
ولدينا برهان واضح يرى أن الطبيعة الساخرة والعاكسة لنفسها، المتوفرة في عدد من هذه الأعمال السردية الباكرة، هي نموذجية. وكما ذكرت، إن مفتاح أصول الرواية وتطورها يمكن أن تجده في السخرية، وفي نزع القناع عن تقاليد ميتة في الأدب وفي تأسيس رموز أدبية جديدة.
لقد كتب روبيرت كوفير يقول في دراسته لسيرفانتس في كتاب»سبعة أمثلة سردية»، إن سخرية سرفانتس ولدت منها الرواية و كانت «مثالا عن الثورة في القصص السردية، وثورة تتحكم بنا حتى هذا اليوم، وبطريقة ليست مغايرة للتكثيف الذي تراه في تقاليد الرومانس «أو في حكاية المغامرات و الفروسية» (5). وبضوء هذا الكلام ربما كانت «واقعية» القرن التاسع عشر في فرنسا و الثامن عشر في إنكلترا ليست مجرد وحدات معرفية تعكسها الرواية، أو أنها كانت مجالا تطور فيه جنس الرواية، أو مساحة تضمنت في ذاتها البذور المنافسة لصعودها الخاص. إنه يمكننا قراءة مدام بوفاري، و هذا مؤكد (6)، وكأنها هجوم على فكرة «الواقعية»، أو كأنها رمز تصوري عن سلطة اللغة والأدب. إن إيما إنسانة واقعية ساذجة، مثل دون كيشوت، وهي تؤمن أن الكلمات في أي كتاب تحيل مباشرة إلى الواقع، وإلى الخبرات و التجارب «الموجودة هناك» والتي هي بانتظارها.
أضف لذلك إن تاريخ نقد الرواية يبين أنه، حينما كان شكل الرواية يتطور، كانت نظريتها تتجمد في حقبة من القرن الماضي. والذي كان مرحلة أدبية مؤقتة أصبح حدا ثابتا في النقد. من هذه النقطة، أي شكل تراه هو متحرك و متجاوز لمرحلته و يمكن أن تتعامل معه بمصطلحات سالبة (ليس على أنه رواية، وفي أفضل الأحوال على أنه رواية جديدة أو ربما ما بعد سرد)، وهذا يلغي إمكانية النظر له بمصطلحات تطور الجنس بمفردات طبيعية وديالكتيكية، كما كانت التقاليد الأساسية تفعل بواسطة أشكال تأخذها من مرجعياتها القديمة.
وعلى ما يبدو إن واحدا من الأسباب التي تشرح لماذا هذا النوع من السرد غير مقبول من وجهة نطر تقاليد نوعه، تجده في الأسس النظرية «للواقعية التقليدية»، وهو ما يمكن أن تسميه محاكاة المنتوج. لقد كان على القارئ أن يعرف المنتوج الذي نحاكيه- في شخصياته وأفعاله وأجوائه- وأن يلاحظ التشابه مع النماذج الموجودة في الواقع الإمبريقي، وذلك لتبرير القيمة الأدبية وتفعيلها. وبما أنه لا يوجد كود، ولا تقاليد، لهذه الآلية، ولا اعتراف بها، فإن عملية القراءة تكون مصطلحا غير ملموس. إن ما بعد السرد، على العكس من ذلك، يعري التقاليد، و يقاطع الكود الذي علينا الاعتراف به. و على القارئ أن يعترف بمسؤوليته عن فعل فك الكود، لأنه هو فعل القراءة.
وبما أنه أصبح خارج مجاله وتم استبعاده و إلغاء وجوده، كان عليه طوعيا أن يؤسس كودا جديدا ليتفاهم مع الظاهرة الأدبية الجديدة. إن المنتوج الذي يقوم بالمحاكاة لا يكفيه أن يقوم بوظائف القارئ الجديدة كما هي في النصوص، ولا أن يعمل على محاكاة الآليات الاحتمالية. إن الرواية بعد الآن لا تبحث عن طريقة لتوفير نظام ومعنى يجب الإقرار بهما من قبل القارئ. إنها الآن تتطلب أن يكون القارئ واع للعمل، ولبنيته الفعلية، التي عليه ان يتولاها برعايته، فالقارئ، بتعبير إنغاردين، يعمل على بلورة (7) العمل الفني و يمنحه الحياة.
وعليه إن فعل القراءة نفسه، مثل فعل الكتابة، هو الوظيفة الإبداعية التي يلفت انتباهنا لها العمل الفني. وهذه الآلية الآن هي هدف المحاكاة ولكنها لا تغير الطبيعة الأساسية للرواية باعتبار أنها جنس محاكاتي. ما بعد السرد هو سرد أيضا، على الرغم من الانزياح الذي تعرض له السرد بحيث أنه انتقل من المنتوج الذي يمثله إلى الآلية الانتاجية نفسها.
إن السرد ينطوي على تمثيل تلقائي ولكنه لا يزال تمثيلا. و كل الفنون كانت دائما كما يقول كلوديو غولين:»كتلة غير عضوية أو آلية لها صفات شكلية وحدود للتعبير وعليه هي قادرة بدورها على تحفيز نوع من الخبرات الهامة (فهي الحياة نفسها أيضا) (8).
إن الفن ليس محاكاة: فقد ضمنت البلاغة التقليدية بعض الحريات لمن يحاكي الطبيعة وذلك بغض الطرف عن الانحرافات وبغاية توفير تعليمات ما أو بهجة ما. ويؤكد سيدني أن الشاعر يعلمنا بشكل أفضل لأنه يخلق طبيعة أخرى، أو كونا مختلفا. ومقالة أديسون عن « متعة التخيل» قد مهدت الطريق للنظريات الرومنسية غير الأداتية التي هي أساس السيادة في الإبداع. وضمن هذه التقاليد، إن نظريات المحاكاة المتعنتة التي تحكمت بالواقعية الروائية في القرن الثامن عشر في إنكلترا و القرن التاسع عشر في فرنسا تبدو تقريبا كردات فعل، و لا سيما بضوء الحريات والسيادة التي كان يبحث عنها سيرفانتس و ستيرن وديدرو وعدد آخر من بواكير الروائيين. إن ما بعد السرد الذي يجد موضوعا له في صناعة سردياته يفتح الباب لشكل من أشكال تحدي الواقعية. وربما هذا يعني العودة لما ننظر إليه على أنه التيار الأساسي لتقاليد حرية السرد، فهو يستوعب نظريته الخاصة، ويتطلب أن نتعامل معه بمصطلحاته الخاصة. إن اتجاه التاريخ الأدبي قد تعرض للتحوير، وكما هو الحال دائما، قد تعرض للتبدل بواسطة النصوص، وليس النقاد. وفي الواقع، إن هذا السرد النرجسي الجديد يسمح (يفرض؟) إعادة تقييم روايات الماضي، والفضل في ذلك يعود لتحديه للنواقص، ولتجسيد الفكرة النقدية عن الواقعية التي تقوم على محاكاة ضعيفة للمنتوج وحده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.