اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. ولدوا بها وخرجوا من رحمها وسكنوها وسكنتهم الحلقة الثانية عشرة ضريح الإمام السهيلي يقع ضريح الإمام السهيلي، خارج أسوار مراكش العتيقة ما جعل الضريح الذي تؤوي باحته قبور بعض النساء من الأسرة العلوية على عهد السلطان عبد الرحمان يستفيد من ترميم وصباغة ويحظى بحراسة خاصة لم تتوفر له سابقا حيث يقع الضريح داخل مقبرة تحمل اسمه كانت إلى وقت قريب في وضعية سيئة، مازالت تضفي على الضريح سكونا رهيبا. كما لا يوجد بالضريح أي مصدر للمياه كما هو الحال بالنسبة لضريح يوسف بن علي الصنهاجي، باستثناء لوحة رخامية عند مدخل المقبرة تشير إلى الضريح مع الإشارة إلى معلومات مقتضبة عن الولي الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، الذي عاش في مالقة بالأندلس معظم حياته فقيرا معدما، مثله في ذلك مثل كثير من العلماء الذين عاكسهم الحظ وأهملهم الناس لإملاقهم، لقوله "شغلنا بكسب العلم عن مكاسب الغنى كما شغلوا عن مكاسب العلم بالوفر". وشكلت زيارة ضريح الإمام السهيلي المحطة الأخيرة في الترتيب المعمول به لزيارة سبعة رجال مراكش، التي تجري على شكل دائري لترمز بذلك إلى كمال الذات عند تمام تحققها، إذ تخضع في مراحلها لطبوغرافية المدينة أكثر من خضوعها للترتيب الزمني الموافق لفترة ظهور هؤلاء الأولياء. وعلى مقربة من باب الرب، أحد الأبواب التاريخية بالمدينة العتيقة لمراكش، يوجد ضريحه الشهير بين أضرحة المدينة، معروف بين أوليائها كواحد من رجالاتها السبعة، يسميه البعض بالإمام والبعض الآخر بالفقيه، ومعروف بين أوساط المجتمع المراكشي بسيدي سهيل أو سيدي السهيلي. وكلما اتسعت الذاكرة الجغرافية لذكره أصبح معروفا بالإمام السهيلي. وتسميه المصادر التاريخية بأبي القاسم عبد الرحمان بن عبد الله السهيلي، نسبة إلى قرية سهيل الموجودة قرب مالقة بالأندلس التي ولد بها. عربي ينتسب لختعم وهي قبيلة عربية من اليمن التي دخلت الأندلس وامتزجت بسكانها. ولد الإمام عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي سنة 508 بمدينة مالقة الإسبانية، فقد بصره وهو في سن السابعة عشرة بسبب مرض عضال ألم بعينيه. نشأ فقيرا معوزا في أسرة اشتهرت بالعلم، استطاع بذكائه وطموحه أن يتعلم ويكون أسرة من عدة أولاد ويصبح من أعلام اللغة والحديث والفقه في الغرب الإسلامي، ولم يكن طموحه محدودا رغم عاهته وفقره. حفظ القرآن وتعلم مبادئ العربية على يد والده، وأخذ باقي العلوم المتداولة في عصره على يد مجموعة من كبار الفقهاء والعلماء من مالقة وغيرها من المناطق الأندلسية الشهيرة، إذ كانت له رحلات علمية إلى كل من قرطبة وإشبيلية وغرناطة. عاش الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي في مالقة معظم حياته فقيرا معدما مثله في ذلك مثل كثير من العلماء الذين عاكسهم الحظ وأهملهم الناس لإملاقهم. جمع بين المناظرة في العلم وتحريره وإتقانه، وعرف بالذكاء الحاد والفهم الثاقب في أمور الدين. كانت أحاديثه غنية بالعلم والأدب كما استطاع أن يسرق الأضواء من بعض علماء الموحدين "الطلبة" حتى ضاقوا ذرعا منه. اشتهر بغزارة علمه وسمو أخلاقه وبأشعاره التصوفية وبتفتحه في زمن اشتدت فيه الرقابة والعصبية المذهبية، لكن لم يلبث أن ابتسم له الحظ في آخر حياته في ظل السياسة الثقافية التي نهجها الخليفتان الموحديان، يوسف وابنه يعقوب، في استقدام العلماء والأدباء من مختلف الجهات، إذ جرى استدعاء الإمام السهيلي إلى مدينة مراكش.