أشاد جمهور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بفيلم "نساء الجناح ج" للمخرج المغربي محمد نضيف، بعد عرضه أول أمس الاثنين ضمن فقرة "بانوراما مغربية" بقصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، واعتبر المتتبعون للفيلم أنه تكريم لكل النساء اللواتي يعانين من مرض العصر في صمت، بعد أن ناقش تيمة الاكتئاب الذي تصاب به المرأة في حالات مختلفة جمع فيها بين الواقع والخيال. عن مشاركة الفيلم في مهرجان مراكش، وعن اختياره تيمة الاكتئاب بالتحديد، ومشاركة زوجته أسماء الحضرامي في العمل، كان ل"الصحراء المغربية" مع محمد نضيف الحوار التالي. ماذا يمثل لك عرض فيلمك الطويل الثاني "نساء جناح ج" ضمن فعاليات الدورة 18 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش؟ عرض فيلمي الاثني في المهرجان يمثل لي الشيء الكثير، خاصة أنه العرض الأول له في المغرب، ولا يمكنني إلا أن أكون سعيدا بعرض فيلمي في أحد أكبر المهرجانات ليس فقط في القارة الإفريقية بل العالم، وأعتبرها انطلاقة إيجابية للفيلم بوجود تغطية إعلامية كبيرة وحضور عشاق السينما. وعرض الفيلم في مراكش يعتبر الثاني عربيا بعد مشاركة "نساء الجناح ج" في مسابقة "آفاق السينما العربية" بمهرجان القاهرة السينمائي الذي اختتم فعالياته أخيرا، وكانت ردود أفعال الجمهور إيجابية حول العمل، حيث تلقت بطلات الفيلم العديد من التهاني، وهو أمر جعل الطاقم الفني يحضر إلى مراكش أقل توثرا.
هل توقعت حصول الفيلم على جائزة في مهرجان القاهرة السينمائي؟ أنا دائما أقبل اللعبة، وكان لدينا حظوظ كباقي الأعمال السينمائية المتنافسة، وفي رأيي أن نتائج أي مسابقة تخضع لمقاييس معينة أساسها طبيعة لجنة التحكيم، بدليل أنه في حال تغيرت اللجنة التي ضمت 5 أعضاء، ستكون نتائج المهرجان مختلفة. وعلى العموم أشعر باعتزاز كبير وسعادة أن الفيلم عرض أمام جمهور آخر غير الجمهور المغربي، وأعتبر أن المشاركة في حد ذاتها جائزة.
اخترت الحديث في فيلمك الجديد عن تيمة اكتئاب النساء، لماذا هذا الاختيار؟ أرى للأسف أن النساء هن أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، والفيلم كان فرصة للحديث بالأساس على قصص نسائية في مكان مغلق، وهو جناح للطب النفسي، وكان فرصة أيضا للتحسيس بطبيعة هذا المرض، الذي لا يستوعبه بعض المحيطين بالمريض خاصة أسرته والمقربين منه.
ألا ترى أن اختيار تيمة الاكتئاب بعيدة عن شخصيتك الهادئة عادة والمبتسمة دائما؟ (يضحك)، وما أدراك، فربما ابتسامتي الدائمة نوع من الحماية لكي لا يكتشف الآخر مكنوناتي ودواخلي.
هل تعرضت يوما لحالة اكتئاب؟ أظن أن الأغلبية يصابون أحيانا بحالات اكتئاب بسيطة، لكنها لا تصل حد المرض الذي يتطلب العلاج، لكنني عايشت في محيطي حالات من هذا النوع، اضطروا إلى ولوج المستشفى، وفي زيارتي لإحدى الصديقات عاينت حالة استلهمت منها الكثير في إحدى شخصيات فيلم "نساء جناح ج". وأؤكد أن تأليف السيناريو بني على وقائع حقيقية، فيما استلهمت بعض الحالات من المحيط الخارجي، لتطغى بعدها نسبة الخيال على الجانب الواقعي.
ما الذي تغير في محمد نظيف في فيلمه الثاني بعد شريطك السينمائي الطويل الأول "الأندلس مونامور"؟ الأكيد أن أي شخص يتغير بين الأمس واليوم، لكن على مستوى الأفلام فأرى أنني مازالت متشبثا منذ إخراج أفلامي القصيرة بالحديث ومناقشة قضايا المرأة وأظن أن المكانة غير الإيجابية للمرأة في مجتمعاتنا العربية، مرتبطة بطبيعة التربية والتعليم والشارع، وأعتقد أنه لا يمكن لمجتمع أن يتطور إذا لم يواصل الرجل والمرأة طريقهما جنبا إلى جنب.
بما أنك تحدث عن الرجل والمرأة وعلاقة التكامل المفترض أن تجمع بينهما، يتساءل الجمهور أحيانا هل مشاركة زوجتك أسماء الحضرامي في أعمالك الفنية، أمر تفرضه طبيعة الأدوار التي تجسدها، أم لمجرد أنك ترغب في أن تكون زوجتك إلى جانبك في جميع أفلامك؟ إذا لاحظت ففي فيلم "الأندلس مونامور" جسدت أسماء دورا صغيرا جدا، وبغض النظر عن أنها زوجتي فهي ممثلة قديرة، تعرفت عليها كصديقة في المعهد العالي للفن المسرحي، أعرف قدراتها التمثيلية، نحترم اختيارات بعضنا البعض الفنية، علما أنها ترفض أحيانا تجسيد بعض الأدوار التي أقترحها عليها، والدليل أن تعاملي معها في بلاطو التصوير يكون صارما كتعاملي مع باقي الممثلين. في المقابل تكون أسماء الحضرامي هي القارئة الأولى لمحاولتي الكتابية، والمستشارة الأولى، كزوجة وزميلة في المهنة أثق في رأيها باعتبارها الأقرب والأجدر على منحي رأيها بكل حيادية.
ما الفرق بين محمد نظيف الممثل عنه كمخرج، وهل سرقك الإخراج من التمثيل؟ أعتبر نفسي ممثلا بالدرجة الأولى، قبل أن أكون مخرجا، رغم أنه للأسف لم أعد أتلقى عروضا للتمثيل من قبل المخرجين المغاربة. هل أصبح المخرجون يعتبرونك منافسا؟ (يضحك) ربما، ولو أنني أرى أن تجاربي الإخراجية قد تفيدني كممثل بالنظر إلى أنني أصبحت أدرى بتفاصيل العمل أمام وخلف الكاميرا، وهذا بالفعل ما لمسته المخرجة نرجس النجار بعد أن شاركت في فيلمها الأخير، وأثنت على كيفية تعاملي مع الكاميرا وتنقلاتي في فضاء التصوير. أما الإخراج فهو حالة انتقال من مجرد عازف إلى المايسترو الذي ينبغي عليه يلم بتفاصيل العمل من الشخصيات والرؤية والتصور العام للعمل.
ماذا بعد "نساء جناح ج"؟ حصلت على حقوق الرواية المغربية الأخيرة للكاتبة فتيحة مرشد بعنوان "انعتاق الرغبة"، وشرعت في الكتابة في انتظار البحث عن الموارد المادية خاصة أن الإنتاج سيكون ضخما لأن تصوير المشاهد سيتم في كل من المغرب وأوروبا وكندا.
بالمناسبة، هل دخولك عالم الإنتاج، كان مغامرة أم خطوة محسوبة؟ أغلب الأعمال التي أنتجتها هي لي، أو لأصدقائي ممن أعجبت بسيناريوهاتهم، وأعتبرها وسيلة لإنتاج أفلام تثيرني طبيعتها ومستواها الفني. فأنتجت فيلم عمر مول الدويرة في فيلمه القصير، والطويل الذي نحضر له، و"تازكة" وهو إنتاج مشترك فرنسي مغربي بممثلين مغاربة، إلى جانب فيلم "نعيمة وولادها" الذي يعتبر أيضا إنتاجا مشتركا صور تحت إدارة مخرج فرنسي، وما أثارني في الفيلم هو حبكة السيناريو وجدية المخرج، الذي صور العمل بروح وواقعية مغربية، وكأنه مغربي.