سلط عبد العالي الصافي، محام بهيئة القنيطرة وباحث، من خلال الحوار الذي أجرته معه"الصحراء المغربية"، الضوء على السياق التاريخي وسيرورة التشريع بخصوص نبتة القنب الهندي. وأوصى الصافي بتدخل تشريعي شامل يحيط بالموضوع من جميع مناحيه، وإلا يقول سقطنا في تضارب تشريعي سيلقي بظلاله على القضاء، ومن ثمة على المرتفقين والمواطنين. وأكد المحامي نفسه، بخصوص مشروع قانون أن الأمر يتعلق بالإبقاء على النصوص السابقة مع تعديلها وليس نسخها، وبالتالي، يضيف، فالأمر لا يتعلق على الإطلاق بإباحة استهلاك المخدرات، ولا الاتجار بها ولا مسكها بل الصحيح أن تبقى تلك الأفعال مجرمة ولا تسقط من دائرة التجريم. هل يمكنك الحديث عن السياق أو الإطار التاريخي لزراعة الكيف بالمغرب؟ بالفعل، لمناقشة مشروع القانون رقم 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، لابد من التعريف تاريخ هذه النبتة بالمغرب، ففي سنة 1996 أنجز المرصد الجيوسياسي للمخدرات تقريرا بطلب من وحدة المخدرات التابعة للأمانة العامة للجنة المجموعة الأوروبية حول ما أسماه:"البحث حول الرهانات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية لإنتاج وترويج المخدرات بالمغرب"، وأعطى لمحة عن الإطار التاريخي لزراعة الكيف في المغرب معتمدا أهم المراجع التاريخية في هذا الشأن، وجاء فيه مايلي :" تتفق الدراسات التاريخية على ثبوت وجود زراعة الكيف المعمرة في منطقة كتامة بالريف الأوسط منذ القرن 16. من جهة أخرى كان الثلث الأخير من القرن 19- فترة ضعف السلطة المركزية حيث وافق السلطان مولاي الحسن الأول سنة 1890 على السماح بزراعة الكيف في خمس ضيعات عند أهل كتامة وبني خالد، وعموما يرجع الفلاحون الذين تم استجوابهم في تحقيق أنجز بين سنة 1958 و1965 بداية الزراعة المكثفة للكيف إلى الفترة بين 1890 و 1900، وأن العائق الوحيد لعدم تطور هذه الزراعة يرجع بالأساس إلى محدودية السوق التي لم تكن تستوعب كميات كبيرة، نظرا لأن الكيف في تلك الفترة كان يزرع وبشكل علني في سهول الحوز قرب مراكش وسهول الغرب نواحي القنيطرة. و في سنة 1906 قرر مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي هيأ لنظام الحماية، إنشاء "وكالة التبغ والكيف"، وهي شركة ذات رأسمال أجنبي تحتكر شراء وبيع مجموع إنتاج التبغ والكيف الذي يروج في المغرب. وفي سنة 1932 صدر ظهير يمنع زراعة الكيف في منطقة الحماية الفرنسية، لأن فرنسا كانت قد وقعت على الاتفاقية الدولية حول المخدرات، في حين أن إسبانيا لم تكن قد وقعت عليها بعد. إذن هل تواصلت زراعة الكيف في المنطقة الواقعة تحت حمايتها؟ إن زراعة الكيف قد تواصلت في المنطقة الواقعة تحت حمايتها وهي المنطقة الشمالية، ويجد هذا التسامح تفسيره أيضا في إرادة إسبانيا تهدئة الأوضاع، حيث أنها منيت بهزائم في الريف، وكانت هناك عدة ثورات في هذه المنطقة من المغرب، وأيضا من أجل عدم الاصطدام بالتقاليد المحلية، لتخفيف الضغط. وكان علينا أن ننتظر إصدار المغفور له الملك محمد الخامس لظهير سنة 1954 الذي أبقى منع ظهير 1932، و كان من المفترض أن يعمم على منطقتي الحماية بعد استقلال المغرب، لكن واقع الحال وأيضا المصادر التاريخية تسجل بقاء نوع من التسامح مع الدواوير الخمسة لقبائل كتامة وبني خالد، مما أكسب المنطقة نعت "سينكو" أي خمسة بالإسبانية، وعممت السلطات المغربية سنة 1960 ظهير 1954 على مجموع التراب الوطني، وبقي على ماهو عليه إلى حين صور ظهير 21 ماي 1974. إذن زراعة الكيف في المغرب بعد هذه الفترة شهدت مدا وجزرا وتمددا وتقلصا في مستوى المساحات المزروعة، حيث ازدادت زراعة الكيف بشكل كبير واكتسبت كتامة شهرة وأصبحت تسمى " كتماندو"، مند بداية السبعينات من القرن الماضي، حيث قدرت الأراضي المزروعة ما بين 5 آلاف و 10 آلاف هكتار، و في خريف 1980 أعلن عن مساحة 50 هكتارا ، إلى أن دخل المغرب في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حيث شن حربا على المخدرات وأباطرتها. ماهي قراءاتك لمضامين مشروع قانون القنب الهندي؟ يجب أن نفسر، أيضا، ماذا تعنيه المادة الأولى التي تنص على ما يلي :"خلافا لأحكام الظهير الشريف الصادر بتاريخ 2 دجنبر 1922 بتنظيم استيراد المواد السامة و الاتجار فيها وإمساكها واستعمالها كما وقع تغييره وتتميمه والظهير الصادر بتاريخ 24 أبريل 1954 بمنع قنب الكيف ؛ كما وقع تغييره، والظهير الشريف بمتابة قانون رقم 282.73.1 الصادر بتاريخ 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة وقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الشريف الصادر بتاريخ 1922 بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها ، والظهير الصادر بتاريخ 24 أبريل 1954 بمنع قنب الكيف، مع مراعاة الإلتزامات الدولية للمملكة المغربية". نسخ القوانين المضمنة بهذا النص هذا الأمر غير وارد، لأنه لو كانت إرادة المشرع نسخ هذه القوانين لأشار إلى ذلك تصريحا لا تلميحا. إنه خلافا للمقتضيات المخالفة لهذا القانون حصريا، دون المساس بالمقتضيات الأخرى، معنى ذلك أنه يتعين الإبقاء على القوانين المذكورة بالمادة الأولى مع تدخل تشريعي يتم بمقتضاه تعديل وتتميم القوانين السابقة أوسن قانون جديد، وبالتالي فإننا نوصي بتدخل تشريعي شامل يحيط بالموضوع من جميع مناحيه وإلا سقطنا في تضارب تشريعي سيلقي بظلاله على القضاء ومن ثمة على المرتفقين والمواطنين. فالتشريع صناعة وعلم له منهجياته وأدواته ومواضيعه. وتأتي المادة الثانية بإعطاء مدلول للمصطلحات المستعملة في هذا القانون، فيما تناقش المادة الثالثة على شرط ممارسة الأنشطة موضوع مشروع القانون، بالحصول على رخصة تسلمها الوكالة الوطنية للتقنين المتعلقة بالقنب الهندي. الجدير بالتذكير هنا أن هذه الأنشطة ستمارس في مجال جغرافي محدد يتم تحديده بمرسوم حكومي حسب المادة الرابعة، ونعتقد أنه لن يخرج على مناطق كتامة و النواحي. يشار هنا إلى أن المادة 50 تنص على أنه "يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 282.73.1 المؤرخ ب21 مايو1974 كل من قام ب....". وهذا النص يدعم ما ذهبنا إليه في بداية هذا المقال بأن الأمر يتعلق بالإبقاء على النصوص السابقة مع تعديلها وليس نسخها، و بالتالي فالأمر لا يتعلق على الإطلاق بإباحة استهلاك المخدرات، ولا الاتجار بها ولا مسكها بل الصحيح أن تبقى تلك الأفعال مجرمة ولا تسقط من دائرة التجريم، كما اعتقد البعض وحاول لأسباب سياسوية ضيقة ومزايدات ومصالح شخصية المزايدة على المشروع الذي لا يتحدث بالمطلق على الاستهلاك والحيازة والاتجار غير القانوني. وللمزيد من الفعالية فإن واضع المشروع حاول ربط التذكير بالقوانين ذات الصلة، حيث أشار في الفصل 20 على مايلي " يخضع تسويق وتصدير واستيراد الأدوية و المنتجات الصيدلية غير الدوائية التي تتضمن مركبات من القنب الهندي لأحكام القانون رقم 04.17 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلية ..." بمعنى أن أمر التسويق سيخضع للقانون المحال عليه وبالشروط نفسها. وينتظر هذا المشروع المصادق عليه في مجلس الحكومة مسار تشريعي طويل، إذ سيتم عرضه على المجلس الوزاري، وبعدها سيتم عرضه على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب ثم الجلسة العمومية ثم مجلس المستشارين، بعد إعادة القراءة والتنقيح تتم المصادقة عليه ليصبح قانونا، ونتمنى من المشرع المغربي أن يقاربه بشمولية مع الأخذ بعين الاعتبار الظهائر والقوانين ذات الصلة التي يجب أن تعدل أو تعوض في الوقت نفسه.