دفعت حالات "الاعتداء" المتكررة على موظفي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أثناء قيامهم بعملهم، في الآونة الأخيرة، الوزارة إلى اتخاذ قرار تفعيل المتابعة القضائية في حق المعتدين. هذا القرار الذي دعا إليه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، في مراسلة وجهها، أول أمس الثلاثاء، إلى مسؤولي مختلف المصالح التابعة للوزارة جاء في سياق تعزيز الإجراءات الاستباقية والوقائية وكذا المواكبة، وذلك على خلفية "ما يتعرض له بعض موظفي الوزارة لا سيما العاملين منهم بالمؤسسات الصحية، من تهجمات وإهانات واعتداءات تصل أحيانا إلى حد التعنيف اللفظي والإيذاء الجسدي لهم"، حسب بلاغ للوزارة. ووصفت الوزارة هذه الأفعال ب"المنافية والمخالفة للقانون وغير المبررة ولا المقبولة، مهاما كانت دوافعها وأسبابها، وتخل بالاحترام والتقدير الواجب لمهنيي الصحة والاعتراف بالدور المنوط بهم والتضحيات الجسام التي يبذلونها في تقديم الخدمات الصحية للمواطنات والمواطنين". وإن كان هذا القرار الأول الذي اتخذه أيت الطالب من أجل تفعيل المتابعة القضائية عقب "الاعتداءات"، التي تعرض لها موظفو وزارة الصحة، خلال الأيام التي أعقبت قرار الحكومة ب "إلزامية جواز التلقيح" وفي ظل انتشار جائحة كوفيد 19، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها اتخاذ قرار مماثل، فقد سبق أن أصدر وزير الصحة منشورا عدد 58 بتاريخ 27 نونبر 2018 في موضوع "نشر وتداول الصور ومقاطع الفيديو والوثائق المتعلقة بالمرفق الصحي"، وهو المنشور الذي أكد فيه على ضرورة أن "يعد مسؤولو الصحة تقارير بخصوص كل واقعة أو حادثة أو حالة تتعلق بقطاع الصحة تنشر في الصحافة أو يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك حيث لن تتوانى الوزارة - حسب المنشور دائما - في حالة ثبوت ذلك في الدفاع عن موظفيها وحمايتهم". وفي هذا الإطار أوضح سعيد معاش، من هيئة المحامين بالدارالبيضاء، أن الجديد في قرار وزارة الصحة هو أن "الاعتداءات على موظفيها أصبحت متواترة وانتقلت أكثر فأكثر من العنف اللفظي والسب والقذف إلى الاعتداء الجسدي، وهو ما جعل الوزارة تتدخل بمنشور آخر أقوى من ناحية اللهجة واللغة قصد تفعيل إجراءات المتابعة القضائية في حق المعتدين، خصوصا أن العديد من هاته الملفات تكون موضوع تنازل من طرف الضحايا". وبخصوص المسطرة القانونية المتخذة في مثل هذه القضايا، قال المحامي معاش، في تصريح ل "الصحراء المغربية" إنه يجب التذكير أولا بمقتضيات الفصل 19 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي ينص على "يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم، وتعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل، الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي لا يضبطها التشريع الخاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة، حيث أن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعاوى ضد المتسبب في الضرر". وأضاف المحامي معاش أنه "يمكن أن يكون تدخل وزارة الصحة هنا إما عبر شكاية لدى وكيل الملك أو بالانضمام إلى شكاية أو ملف قام بالمبادرة إليه الموظف الضحية نفسه"، وبخصوص السب والقذف، قال إن "مقتضيات وأحكام القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر تبقى هي الواجبة التطبيق متى تعلق الأمر بسب أو قذف، ما يوجب سلوك طريق الشكاية المباشرة أمام المحكمة". وبالنسبة للعقوبات التي تنتظر المعتدين، أبرز المتحدث، في التصريح ذاته، أنها "تتنوع حسب نوع وتوصيف الأفعال التي قام بها المعتدي لكن يمكن القول إن الفصل الأكثر ممارسة من الناحية العملية هو الفصل 263 من القانون الجنائي، الذي يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم، من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم". وأكد المحامي معاش أنه "يمكن أن تكون فصول متابعة أخرى وعقوبات أشد متى تحول الأمر إلى اعتداء جسدي على الموظف العمومي وقد تكيف الأفعال حسب الحالة إلى ضرب أو جرح أو غيرها ". وفي السياق ذاته، قال خالد الإدريسي، المحامي من هيئة الرباط، إن هذا الإجراء الذي قررته وزارة الصحة بخصوص موظفيها "إجراء قانوني موجود ضمن فصول القانون الجنائي، خاصة المتعلق بجريمة إهانة موظف عمومي"، مضيفا أن هذا النص يعطي الحق لأي موظف عمومي بأي وزارة أو إدارة عمومية أن يتابع المعتدي عليه به". واعتبر المحامي الإدريسي أن وزارة الصحة قررت الآن تفعيل المتابعة القضائية بعدما كانت في السابق تهدد فقط باللجوء للقضاء "ربما في سياق القرارات التي اتخذت خلال فترة الجائحة والتي لم ترض عددا من المواطنين ما أثار عددا من ردود الأفعال التي أصبحت عدوانية اتجاه الكثير من الموظفين وأطر وزارة الصحة. وأكد المحامي الإدريسي في اتصال ب "الصحراء المغربية" أن "هذا الإجراء مبرر أولا كجانب وقائي وثانيا كردع عام من أجل الحد من ممارسات غير مشروعة أو عدوانية أو صدامية مع الأطر الصحية"، مؤكدا على "وجوب احترام قواعد اللياقة والتعامل الرصين مع هؤلاء الموظفين تحت طائلة فتح هذه المتابعات القضائية"، لافتا إلى كونها تدخل في إطار "الأفعال المجرمة والجنح التي قد تصل العقوبة في حالة المحاكمة إلى أربع سنوات سجنا".