يتم اليوم في القدس، وبتسارع مخيف، تجفيف الوجود العربي فيها والتضييق على مؤسساتها الأهلية والخدمية، تعليمية وصحية، حيث باتت تقاسي وضعا اجتماعيا ضنكا يحرم المقدسيين من الخدمات الاجتماعية، ويجعلهم عُزّلاً إلا من إرادتهم في الصمود والرباط في مواجهة سياسات الاحتلال وممارساته، بعد أن تمت الحيلولة دونهم ودون التواصل مع إخوانهم، سواء منهم فلسطينيي الانتفاضة أو غيرهم من فلسطينيي الثورة في الشتات.. وأمست القدس بكل ذلك بيئة خانقة لأهلها من المقدسيين، جاذبةً مواتية لإحلال المحتلين الصهاينة فيها. وتصعيداً لكل ما سبق، أتى إقرار سلطات الاحتلال سلاح بطاقة الهوية الإسرائيلية الزرقاء الممغنطة ليشهرها في وجه صمودهم ورباطهم، واضعاً قرابة نصف تعداد المقدسيين فيها خارج أي ولاية قانونية مدنيّة، وحرمهم نتيجةً لهذا من الخدمات السكنية والصحية والتعليمية، ومن أبسط حقوقهم الإنسانية في التنقل والتملك والمواطنة في مدينتهم. فليس هناك في واقع الأمر مجالٌ للشك في أن القدس والمقدسيين يعيشون حالة حصارٍ غاية في العنصرية والغطرسة والعدوانية؛ وهو ما تؤكده وتزهو به نفس مراكز التفكير الصهيونية المختصة بالقدس ودراسة أوضاعها ومستقبلها. ومن تحصيل الحاصل أن يكون من أولويات فك الحصار وكسره أن تؤمّن لأهل الصمود والرباط عدّة ومؤونة مواجهة الحصار إلى أن ينبلج فجر التحرر والحرية؛ وأن نجعل من عزم وإرادة المقدسيين في الصمود والرباط عدةً أساسية في مجاهدتنا من أجل كسر الحصار، فهما العزم والإرادة اللذان لم يستطع المخطِّطون الصهاينة أنفسُهم أن ينكروا أثرَهما في تشبث المقدسيين وسائر عرب فلسطين بحقوقهم وهم يخوضون صراعاً مريراً لن يهدأ إلا باستعادتهم لهويتهم ووطنهم وحريتهم. إن حملة كسر الحصار التي ننظر في سبل توفير ظروف نجاحها إنما تستهدف الآن تأمين أقصى ما نستطيعه من خدمات تعليمية وصحية لا غنى للمقدسيين عنها، ونحن في مستهل تعبئة وتفعيل قدرات شعبنا وأمتنا لِ «كسر الحصار». مراكز التفكير الصهيونية حول القدس تتحدث عن توجه قادة الصهاينة لتصفية كافة الأحياء العربية داخل الجدار العازل للوصول إلى عزل الوجود العربي وأَحيائه في محيط المسجد الأقصى، الذي لا تكاد مساحته تتجاوز الكيلو متر مربع إلا بقليل، تمهيداً لهضمه في الهوية الصهيونية، بعد أن يتم تدمير مقومات الوجود العربي وهويته. إذ أنّ القاصي والداني يدرك ما لا يغيب عن المخططين الصهاينة تأكيده من أن الجدار العازل هو مرتكزٌ أساس لإحكام آليات الحصار الصهيوني المتمترسة بمنظومة قانونية استبدادية باطشة تتابع التضييق على أنفاس المقدسيين في كل صعيد من أصعدة احتياجات حياتهم اليومية وجهودهم في مقاومة سياسات الاحتلال والتصدي لممارساته الاستيطانية الإحلالية. لكل ما سبق، فإن فعاليات كسر حصار القدس لن يتأتّى لها النجاح ما لم تتوجه أيضاً إلى آليات الحصار ذاتها، ممثلةً في الجدار العازل وسياسات الاحتلال وممارساته، وصولاً إلى تعبئة طاقاتنا على امتداد وطننا العربي وعالمنا الإسلامي وراء هدف فك الحصار وكسره، باعتباره هدف الحملة الدولية لكسر الحصار في كل قطرٍ وفي كل ساحةٍ تتواجد فيها. ولابد أن نقف هنا عند اعتبارين أساسيين يحكمان سياسة الاحتلال الصهيوني الإجرامية.. الاعتبار الأول: يفصح بصراحة عن أنّ نجاح سياساته الصهيونية إنما يتوقف على خلق حالةٍ من اليأس لدى المقدسيين، بجعلهم يشعرون في نهاية المطاف أنهم قد تُرِكوا لشأنهم عُزّلاً في مواجهة سياسات الاحتلال، تمهيداً لطمس شعورهم بهويتهم العربية والدينية، إسلامية ومسيحية، وتدمير انتمائهم إلى محيطهم وحضارتهم الإسلامية. والاعتبار الآخر: هو توجسهم وخشيتهم من أن يتكرس عالمياً النظر إلى الكيان الصهيوني باعتباره قوّة باطشة غاشمة، مما يمهد السبيل على الصعيد الدولي لإدانة إسرائيل أخلاقياً وتجريمها قانونياً، بما يفقدها في نهاية المطاف الاعتراف والقبول الدوليين. إن التعاملَ مع هذين الاعتبارين يقتضي توجيه طاقاتنا وجهودنا على الصعيد الدولي، وبالأخص على امتداد وطننا العربي وعالمنا الإسلامي، بما يؤكد، من جهةٍ، الالتزام المطلق للأمة العربية بمسلميها ومسيحييها والأمة الإسلامية قاطبة بهوية القدس الوطنية العربية وحضارتها العربية الإسلامية؛ وبما يكشف بجلاء، من جهةٍ أخرى، الطبيعة الغاشمة الباطشة لممارسات الكيان الصهيوني وسياساته الإجرامية العنصرية. إن إيمان شعبنا العربي بمسلميه ومسيحييه والأمة الإسلامية قاطبةً بهوية القدس الوطنية وانتمائها الحضاري هو بمثابة العقيدة الراسخة في الوجدان والنفوس؛ كما أنهم جميعاً يجمعون على طبيعة الاحتلال الصهيوني الإجرامية الغاشمة.. غير أن هذا الإيمان وذلك الإجماع لا يمكنه أن ينقلنا إلى ساحة الفعل والإنجاز، ما لم يتمثل واقعاً حيّاً ماثلاً أمام أنظار العالم و مؤثراً ضابطاً، ليس وحسب لتوجهات شعبنا وأمتنا وسياسات حكوماتها، وإنما أيضاً لتوجهات وسياسات القوى الدولية الفاعلة ذاتها. لذا، تستهدف فعاليات كسر حصار القدس تفعيل «المؤاخاة» بين القدس وكافة الساحات الدولية المنضوية في حملة كسر الحصار على كافة الأصعدة الاقتصادية والقانونية والسياسية والتعبوية. إنها فعاليات ترتكز على التأطير المادي والفعلي لصمود ورباط المقدسيين في مواجهة الحصار الصهيوني، وذلك بدعم مؤسساتهم التعليمية والصحية في القدس وتأمين تسييرها بعيدا عن هيمنة سلطات الاحتلال، وربط كل ذلك بطبيعة الحال بفعاليات أخرى إعلامية وقانونية وتضامنية تكرِّس الإدانة الأخلاقية والتجريم القانوني لسياسات الاحتلال وممارساته، وتعبِّئ شعبنا وأمتنا في مواجهة المواقف الدولية المؤيدة للاحتلال الصهيوني وممارساته في القدسوفلسطين؛ لتنتهي إلى إنهاء هذه الممارسات وتفكيك الجدار العازل وكسر الحصار نهائياً وإنهاء الاحتلال برمته في نهاية المطاف.