عرفت أوروبا وباقي دول العالم، مؤخرا، أزمة اقتصادية شاملة، ترتبت عنها عدد من المشاكل المختلفة في بنية كل مجتمع على حدة، حيث عرفت بعض الدول المتضررة من هذه الأزمة تغييرات تشريعية في محاولة تغيير القوانين المتعلقة بالمهاجرين، للحد من الهجرة السرية وكل ما ترتب عنها من اختلالات تنظيمية على مستوى القوانين المتعلقة بالشغل، كانت سببا في عودة أغلبية المهاجرين إلى بلدانهم. لكن المثير في الأمر هو هجرة المواطنين الأصليين لهذه البلدان إلى الخارج كذلك، بحثا عن حياة أفضل. لذلك عرف المغرب في الآونة الأخيرة استقبالا للمستثمرين واليد العاملة للمهاجرين المغاربة والأجانب على حد سواء. فبعدما كانت الهجرة تستهدف دول الشمال، انقلب الوضع ليصبح موسم الهجرة نحو الجنوب، حيث أصبح المغرب موطنا يختزل عددا من جنسيات الدول المتضررة، خاصة إسبانيا. وقد وجد هؤلاء المهاجرون الإسبان صعوبة في التواصل في المغرب، بعدما اكتشفوا أن اللغة الأجنبية الأولى به هي الفرنسية، باستثناء اهتمام بعض المدن المغربية الشمالية والجنوبية باللغة الإسبانية. لكن الجميل في الأمر هو الإقبال المتزايد على اللهجة المغربية، رغبة في الاندماج والتعايش داخل المجتمع المغربي، وهو نفس الأمر الذي حدث عنوة بالنسبة للمغاربة القاطنين بإسبانيا، الذين أرغموا على اكتساب اللغة الإسبانية، خضوعا لطبيعة الحياة والعمل اليومي هناك. والاستنتاج من هذا المعطى يفرز نقطة تقاطع أساسية بين كل الأجناس، هي العامل الاقتصادي المرتبط بالضرورة المعيشية التي ترغم الجميع على اكتساب لغة للتواصل، ولهذا السبب أصبح الأجانب يعيشون وضعا اضطراريا بموجب طبيعة الاندماج، سواء على مستوى المعاملات التجارية، أو فيما يتعلق بالبحث عن العمل، وهو ما انتبهت إليه الجالية الإفريقية والصينية المقيمة بالمغرب، لتجعل من اللهجة المغربية مصدرا لمعاملاتها التجارية مع المغاربة، فحققت بذلك نجاحا نسبيا بالنسبة للأفارقة، واكتساحا للسوق التجارية المغربية على جميع الأصعدة بالنسبة للصينيين. لنستنتج أن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت من بين العوامل الأساسية لانتصار اللهجة المغربية، مما قد يساعد مستقبلا على أن يصبح اهتمام الأجانب باللغات واللهجات مدخلا تدريجيا للتبادل المعرفي في بعده الإنساني، ومنفذا للتعارف والاعتراف والتقدير بالنسبة للبلد الذي يقيمون فيه.