مع إعفاء الجنرال حسني بنسليمان والجنرال بوشعيب عروب, وإحالتهما على التقاعد, يكون الملك محمد السادس قد أكمل دورة كبيرة من التغييرات الهادئة والبطيئة في قيادة الجيش, استغرقت 18 سنة, وشملت التشريعات والوظائف والمؤسسات, ومنحت هوية جديدة للجيش الملكي. حين تولى الملك محمد السادس الحكم كان أمام خيارين إزاء جنرالات والده; إما الإحالة على التقاعد, أو الترقية في الدرجة والرتبة, بما يساعد على دورات النخب. ويبدو أنه اختار الطريق الثاني, وجوهره الاستمرارية, لكن بهدف التجديد. في هذا السياق, رقى الرباعي: الجنرال عبد الحق القادري, والجنرال عبد العزيز بناني, والجنرال حسني بنسليمان, من جنرال دوديفيزيون إلى جنرال دوكوردارمي, ولاحقا فعل الأمر نفسه مع بوشعيب عروب وحميدو العنيكري وآخرين . وقد استفاد من الترقية ضباط سامون آخرون ممن تمتتتققيتهم إلى جنرالات, أو من درجة ضباط إلى ضباط سامين, خاصة درجة كولونيل. ومن بين الذين استفادوا من الترقية خلال هذه الفترة , المفتش العام الحالي للقوات المسلحة, عبد الفتاح الوراق. أما الآلية الثانية فهي الإحالة على التقاعد, والتي شملت ضباطا سامين في الجيش ابتداء من سنة 2005, وقد طالت الجنرال القادري, والجنرال أحمد الحرشي, ولاحقا الجنرال محمد بلبشير وآخرين. بواسطة الآليتين فتح الملك الطريق أمام الضباط السامين للترقي وتسلم المسؤوليات والمهام, ويمكن القول إنه مع إحالة بنسليمان وعروب على التقاعد, تكون دورة التغييرات قد اكتملت بوجوه شابة وجديدة, يقودها الجنرال الوراق على رأس وحدات الجيش, والجنرال محمد حرمو على رأس الدرك الملكي, وياسين المنصوري على رأس المخابرات العسكرية. بالتزامن مع التغييرات في النخب, جرى تغيير هادئ في التشريعات العسكرية يتعلق بثلاثة جوانب ; الأول يخص تعزيز ضمانات حماية العسكريين أثناء مزاولتهم الخدمة , وفق قانون 01-12 الخاص بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين, والثاني يتعلق بتطوير وتأهيل مدارس التكوين العسكري, التي عرفت تغييرات شاملة مواكبة للتحديات الجديدة, وللطرق البيداغوجية, على رأسها كلية الدراسات العسكرية العليا بالقنيطرة, المختصة في تكوين الضباط السامين (كومندار, كولونيل, جنرال …), ويتعلق الجانب الثالث بالقضاء العسكري, الذي ألغى محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية, لم استجابة الب وضغوط هيئات حقوق الإنسان. الوجه الآخر للجيش الملكي ظهر في تزايد دوره الدبلوماسي , سواء على مستوى التمثيل في العلاقات العسكرية الثنائية أو متعددة الأطراف (حليف استراتيجي من خارج الناتو …), أو في ما يخص دوره في حل النزاعات وإحلال السلم في مناطق التوتر (مخيم الزعتري في الأردن وفي جنوب السودان), أو دوره التقليدي في إطار مهمات حفظ السلم الدولي تحت مظلة الأممالمتحدة, سواء في إفريقيا أو كوسوفا أو هايتي أخيرا. ويظهر الحضور المتزايد للجيش في السياسة الخارجية للمملكة في عدد الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعت في السنوات الأخيرة , خاصة مع دول أوروبا الغربية ودول الخليج العربي ودول إفريقيا الغربية . ويمكن القول إن التغييرات الجديدة فرضت تبني عقيدة عسكرية جديدة, تدمج بين مواجهة التهديدات التقليدية التي تستهدف التراب الوطني (ملف الصحراء …), والاستجابة للتهديدات الأمنية الجديدة, مثل الإرهاب والهجرة والأمن المعلوماتي والتغيرات المناخية, وهي تحديات فرضت على الجيش الملكي توسيع مهامه, إذ بات منخرطا بشكل أكبر في مواجهة الإرهاب من خلال تعزيز التنسيق المخابراتي, أو من خلال إحداث آليات مثل «آلية حذر», أو الرفع من عدد قوات التدخل السريع, وإحداثها على مستوى الوحدات العسكرية التي لم تكن تتوفر عليها. وتؤكد هذه التحولات أن الملك محمد السادس نجح, على مدى 18 سنة, في إحداث تغيير هادئ ومتدرج وعميق في بنيات الجيش ووظائفه, ما أكسبه هوية جديدة, إلا أنه ظل حتى الآن جيشا بعيدا عن الرقابة الديمقراطية.