يدخل اليوم ملف الصحراء المرحلة السنوية الحاسمة داخل أروقة الأممالمتحدة، حيث سيدخل كل طرف في سرعته النهائية قبيل موعد اجتماع الأربعاء الذي ينتظر أن يسفر عن قرار جديد لمجلس الأمن الدولي. سوف يعلن المجلس تجديد ولاية بعثة المينورسو، وسيخرج كل طرف ليحتفي بظفره بهذه الفقرة أو تلك العبارة، وسيعود الملف إلى رتابته المعهودة في انتظار أبريل السنة المقبلة. الانفصاليون يرمون إلى إمساك المنتظم الدولي من اليد التي توجعه، أي الأمن والاستقرار الدوليان، فيما المغرب قوي بسيطرته العسكرية الميدانية، وأكثر منها بتحويله المنطقة الواقعة غرب الجدار الأمني، أي تلك التي يدبرها ويتحكم فيها بشكل كامل، إلى واحة للأمن ومجال قابل للتنمية والإسهام في دينامية اقتصادية إقليمية، بل دولية بحكم موقع المغرب الرابط بين أوروبا وإفريقيا. لكن، هلا تساءلنا، كمغاربة وكطرف آخر سواء ممن له موقف مختلف عن الإجماع الوطني أو من يخدم أجندة الجزائر، أو حتى الجزائر نفسها: ماذا ربحنا من هذا النزاع الطويل؟ إذا كان المغرب دولة في موقف دفاع مشروع عن وحدتها الترابية وسيادتها، فإن الأطراف الأخرى، بمن فيها النخب المغربية غير الرسمية، مدعوة إلى مساءلة نفسها: ألم نسهم، كسياسيين ومثقفين وإعلاميين وأكاديميين، في إطالة أمد النزاع واستنزاف ثروات المنطقة، وإهدار جيل كامل بطموحاته وآماله؟ ألا تتحمل القوى الوطنية، السياسية والمدنية والثقافية، جزءا من المسؤولية، حين تركت الملف بين أيدي دول المنطقة والقوى الدولية الكبرى؟ فالدول بطبيعتها تلجأ إلى الخيارات الأمنية والعسكرية حين تستشعر الخطر، لكن الجسور والبدائل السياسية والاقتصادية والثقافية تصنعها الشعوب، شريطة وعيها بذاتها وبمحيطها. هل علينا أن ننتظر، كما يردد البعض في الكواليس، إلى أن نعيش تلك التجربة المأساوية التي جرت بين فرنسا وألمانيا، وتتدفق أنهار الدماء بين المغرب والجزائر، لكي نقول إن الوقت حان للبناء على المشترك وطي الصفحة؟ كلا، ففي اللحظة التي كانت فيها القوى الوطنية في ذروة وعيها بذاتها وبمحيطها، أي لحظة استقلال الأقطار المغاربية عن الاستعمار، كانت الفكرة المغاربية في صدارة الأولويات السياسية لهذه القوى. وليس من نظرية المؤامرة في شيء القول إن القوى الاستعمارية السابقة استبدلت حضورها المباشر ببث التفرقة والشقاق بين دول المنطقة، سعيا منها إلى حماية مصالحها وإبقاء المنطقة طوع يدها. الأنظمة السياسية لما بعد الاستقلال تأقلمت ما استطاعت مع وضع يفرض عليها محاربة بعضها البعض من أجل البقاء، فيما تلاشت الفكرة المغاربية في أجندة القوى الوطنية تدريجيا بعد إنهاكها في معارك ترتيب البيوت الداخلية، ومحاولات التدجين. اليوم نجد أنفسنا بعد أكثر من نصف قرن في سجون مطوقة، لا تنفذ إليها جرعات القوت والأكسجين إلا من واجهاتها البحرية، ويكفي أننا في المغرب لا نملك سوى منفذ بري واحد للتجارة والتنقل، هو معبر الكركرات. من حقنا أن نحلم كما حلمت دولة علمانية وقوية قبلنا، هي تركيا، بركوب السفينة الأوروبية، ومن مصلحتنا، بل من حقنا استعادة موقعنا الإفريقي واستثماره اقتصاديا وسياسيا بالشكل الذي يفيدنا، ومن المشروع لنا أن نتطلع إلى لعب أدوار دولية استراتيجية في الأمن والاقتصاد؛ لكننا لن ننجح في كل ذلك، ولن نتقدم أو نحرّر أيدينا من قيود المهيمنين دوليا، إلا بترتيب بيتنا المغاربي. لا الجزائر قابلة للإزاحة فنبعدها، ونأتي بجيران لا «يكرهوننا»، ولا موريتانيا عبارة عن ممر ضيق يمكننا بناء جسر فوقه يصلنا بعمقنا الإفريقي. الجغرافيا عنيدة، من شاكسها نطح الحجر.