ماريو فارغاس يوصا ترجمة توفيق السليماني إنه فعل من أفعال الإنصاف، كما يفعل كتاب هذا العمل، الالتفات إلى الخدمات العظيمة التي قدمها الملك خوان كارلوس إلى الدمقرطة السلمية وتحديث إسبانيا. تمكن الرجل، في الوقت نفسه، بفضل دهائه السياسي، وطيبوبته، وروحه، وقربه من الناس العاديين، أن يعيد إلى الملكية الدعم والحماس الشعبيين اللذين كانت قد فقدتهما، بشكل واضح، في سنوات حكم الديكتاتور فرانكو. تابعت خطاب تنازل خوان كارلوس عن العرش عبر شاشة تلفزيون صغير في فندق صغير بمدينة فلورنسا الإيطالية، حيث كنت أقتفي أثر كاتبها جيوفاني بوكاتشيو من أجل عمل مسرحي، وتأثرت بكلماته. أثارني الجهد الواضح الذي كان يبذله للحفاظ على الهدوء وتقديم تنازله عن العرش كشيء طبيعي، علما أنه كان يدرك أنه يُقدم على خطوة في غاية الأهمية، أو ما يطلق عليه إعلاميا ب"الحدث التاريخي". وبهذا التنازل عن العرش لصالح ابنه الأمير فيليبي السادس يكون قد أغلق مرحلة صعبة من المشاكل الصحية، والفضائح العائلية والشخصية، والاعتذارات من الشعب، والجهود المضنية في السنوات الأخيرة من أجل استعادة، لشخصه والمؤسسة الملكية، ذلك التجذر المهتز في المجتمع. كان الخطاب جيدا جدا، وجيز ودقيق ومقنع ومحرر بشكل جيد، وليس من المبالغة القول إنه أثر في نفوس كل من سمعوه أو قرؤوه. منذ ذلك الإبان إلى يومنا هذا، حظي الملك خوان كارلوس بالتعاطف والاهتمام في كل التظاهرات العامة التي يحضرها؛ مقابل القليل من الهجمات والانتقادات اللاذعة. أنا على يقين أنه مع مرور الزمن سيرفع تقييم المؤرخين من شأن خوان كارلوس في ميزان رجالات الدولة، وسينتهي إلى الاعتراف بأن السنوات ال38 التي قضاها في الحكم كانت، بفضل موهبته ودهائه، الأكثر تحررا، وديمقراطية، وازدهارا على طول تاريخ إسبانيا. كلمة الحق تفرض علينا القول – وهو ما أكده الكاتب خافيير ثيركاس في أحد المقالات- إنه لولا الملك خوان كارلوس لم تكن لتقوم قائمة للديمقراطية بإسبانيا. لا سيما الطريقة السلمية والإجماع والذكاء التي واكبت الانتقال الديمقراطي. الآن، أصبح من الموضة تبخيس وانتقاد هذا الانتقال الهادئ من الديكتاتورية إلى الديمقراطية- كان، أيضا، انتقلا من العزلة الذاتية إلى الاندماج في أوروبا، والعالم، ومن الفقر إلى الازدهار-، لكن الزمن سينتهي إلى الاعتراف بأن هذا الانتقال الذكي والهادئ جلب الكثير من الفوائد لإسبانيا، ومنحها احترام وتقدير وإعجاب العالم برمته. وبدون شك، جنبها صدمات وأعمال عنف كانت ستعرقل عملية التحاقها بركب دول العالم الأول. أتمنى في المستقبل أن يتجرأ أحد الروائيين الإسباني من ذوي الحس السيرفانتيني أو تولستوياني ويخوض غمار سرد هذه القصة العظيمة في قالب روائي. استعان نظام فرانكو بخيرة عقوله لتجنب السقوط، واستعادة الملكية السلطوية، لهذا الغرض كون الملك المستقبلي منذ الصغر، وعزلوه عن أسرته، وأخضعوه إلى تكوين خاص، قبل أن ينصبه البرلمان الفرنكاوي ملكا بعد وفاة الديكتاتور. ولكن حتى في المحيط المقرب منه، لا أحد كان يعلم بالضبط متى وكيف وصل الشاب خوان كارلوس، بعد اعتلائه العرش، إلى خلاصة أن الواجب يفرض عليه الوقوف ضد الأدوار التي رسمت له، وألا يطيل في عمر الديكتاتورية، بالحفاظ على بعض مظاهرها، بل قتلها، وقيادة إسبانيا إلى ديمقراطية حداثية ودستورية، وجعل بلده منفتحا على العالم، الذي اختطف منه لما يناهز أربعين عاما، والمصالحة بين الإسبان في إطار نظام منفتح ومتسامح، نظام الشرعية والحرية، حيث تتعايش كل الأفكار والمذاهب والتيارات بسلام. نظام تُحترم فيه حقوق الإنسان.