يعتبر الناقد مصطفى التوبي أن منع الرواية السيرية "الخبز الحافي" لمحمد شكري حالة متفردة في المشهد الأدبي العربي. إذ يشرح، في مقالة بعنوان: "الأدب والرقابة والحرية"، الأسباب المحتملة التي تكون قد أدت بالرقيب إلى منعها، وكذا طبيعة السجال الذي أثارته الرواية في المغرب ومصر. ينطلق التوبي، في قراءته، مما قاله شكري نفسه في كتاب: "غواية الشحرور الأبيض" عن دور الكاتب، مشيرا إلى أن أهميته داخل مجتمع مخيفة ومقلقة ومزعجة جدا، وعلى الكاتب أن يدرك هذه الأهمية. كما يعتبر أن محمد شكري يقدم النموذج لهذا الكاتب في روايته "الخبز الحافي"، على اعتبار أنه يقدم سردا صريحا وصادما لتجربة فريدة من نوعها، عايشها الكاتب نفسه، مثلما يقدم نصا لا يمثل سابقة في الأدب العربي فحسب، وإنما تجسيدا حيا لكفاح الكاتب العربي في سبيل حرية الكتابة. هنا يشير التوبي إلى سابقة مفادها أن رواية "الخبز الحافي" تُرجمت إلى ثلاث لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، قبل أن تصدر في نصها الأصلي العربي "من أجل الخبز وحده"، وهو الأمر الذي أشار إليه الناقد نور الدين صدوق في الحلقة الأولى من هذه الزاوية. نشرت الترجمة الإنجليزية في لندن سنة 1973 ضمن منشورات "بيتر أوين". كما يشير إلى أن "بول بولز"، مترجم الرواية إلى الإنجليزية، ربما يكون وراء الطلب الذي وجه إلى شكري من أجل كتابة سيرته، حتى يترجمها إلى لغة شكسبير. لكن شكري يقول في إحدى كتاباته إنه كان قد كتب سيرته، قبل أن يطلب منه بول بولز ذلك. أما الترجمتان الفرنسية والإسبانية، فقد أنجزهما على التوالي المترجمان المغربيان الطاهر بنجلون وعبدالله جبيلو. يقول التوبي إنه خلافا للترجمات الثلاث، فإن النص العربي لم يغر أي دار نشر عربية بنشرها وتوزيعها. إذ لم تنشر حتى سنة 1982 على حساب الكاتب (بحسب ما ورد في الرسائل المتبادلة بين برادة وشكري). كما يكشف التوبي أن محمد برادة حاول أن ينشر الرواية في لبنان لدى دار الآداب، ثلم في لندن لدى دار الساقي، لكنه لم يفلح في ذلك. ويعود السبب في ذلك، بحسب التوبي، إلى المحتويات الجنسية التي تطبع الرواية من أولها إلى آخرها، والتي لم تشجع الناشرين على مغامرة نشرها. من جهته، يقول التوبي إن الرواية منعت بعد سنة من ظهورها، وهو ما ذهب إليه صدوق في شهادته. لكن خلافا لما ورد حتى الآن في هذه الزاوية، فإن التوبي يذهب إلى القول إن قرار المنع اتخذه وزير الداخلية إدريس البصري، بتوصية من المجلس العلمي الأعلى. لم يسمح برواجها مرة ثانية إلا في أكتوبر 2000، بعد وصول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى السلطة. وطوال تلك السنوات، لم تطبع من الكتاب أي نسخة، ولم يقرأ إلا في نسخ مستنسخة، إضافة إلى النسخ الفرنسية والإسبانية والإنجليزية. وقد وجدت ترجمت أخرى للرواية، خاصة في اللغات الألمانية واليونانية والروسية والإيطالية واليابانية. ويرى الناقد مصطفى التوبي أن منع الرواية يعود، في العمق، إلى جرأتها وقدرتها على وصف الواقع الاجتماعي في الشمال المغربي خلال فترة الاستعمار وما بعده. كما أنه يقدم صورة قاتمة عن هذا الواقع، من حياة اجتماعية بئيسة وقمع ومجاعة وفقر، إلخ. فضلا عن ذلك، فهو ينتبه إلى أن المجتمع المغربي يفتقد إلى أي شكل من أشكال الانسجام والسلام، سواء على المستوى الأسري أو المجتمعي. كما يعتبر أن هناك إجماعا على منعها في المغرب وفي عدد من الدول العربية، مباشرة بعد نشرها باللغة العربية، وهذا ما أعطى قيمة كبيرة للسيرة الذاتية الروائية. وبالنظر إلى تفرد هذه الرواية، فقد أدخلت صاحبها المجد الإبداعي. لكنها جرت عليه لعنة الكتاب الأول.