يعتبر كتاب "صديقنا الملك"، الذي أصدره الفرنسي جيل بيرو سنة 1990، أحد أشهر الكتب الفرنسية التي أثارت سخط السلطات المغربية، وقررت، بالتالي، منعه بشكل صارم من دخول ترابها. إذ تحول الكتاب حينها إلى عقدة في علاقات المغرب وفرنسا، وهو يلخّص أهم الفصول السوداء من حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وخصوصا تجاوزات الجنرال القوي سابقا، الراحل محمد أوفقير، وتفاصيل عمليات الاحتجاز والتعذيب والتنكيل التي تعرض لها معارضو الملك الراحل. من جهة ثانية، يسجل الكتاب كيف أن المعارض المختفي، الشهير المهدي بنبركة، كان قد تعرض لمحاولة اغتيال سنة 1962، حين كان في طريقه من الدارالبيضاء إلى الرباط، حيث حاولت سيارة أن تصدم سيارته في واد الشراط. غير أن السيارة سقطت في حفرة وتعرض بنبركة لكسر في إحدى فقرات الرقبة. وقد تميز السياق الذي صدر فيه ذلك الكتاب بمعطيات خاصة، أهمها وجود رئيس اشتراكي في قصر الإليزيه الفرنسي، وهو فرانسوا ميتيران. كان البرلمان الأوروبي في الفترة السابقة لصدور الكتاب يستعد لإصدار قرار يوم 29 نونبر 1987، في الذكرى التي تتزامن مع تاريخ اختطاف المعارض المغربي المهدي بنبركة؛ لكن المغرب نشر شائعة جديدة مفادها أن ملف أسرة أوفقير في طريقه إلى الحل، وأن أفرادها سيتمكنون من السفر إلى كندا، وألا داعي لصدور قرار أوروبي بهذا الشأن، وذلك في محاولة لتمهيد الطريق لزيارة الملك المرتقبة إلى البرلمان الأوربي في "ستراسبورغ" في متم سنة 1987. ربح الملك الراحل هذه الجولة، وجاء قرار البرلمان الأوروبي مشيدا بخطوة الإفراج عن عائلة أوفقير قبل أن يتم ذلك، وخاض الحسن الثاني في العامين المواليين حملة لتقديم نفسه كأمير للمؤمنين قادر على مواجهة التطرف الذي يخيف الغربيين من جانب المسلمين والعرب، وتولى التصدي لثورة الخميني في إيران عبر خرجات إعلامية مرتبة في فرنسا عبر قنواتها التلفزية. إلى أن جاءت ضربة كتاب: "صديقنا الملك"، والتي وعلى خلاف الضربات السابقة، التي وإن كان الحسن الثاني متأكدا أنها من فعل "صديقه" رئيس الجمهورية الفرنسية الاشتراكي، عبر القنوات الخلفية للحزب والإعلام والمؤسسات الأوربية، فكان يردّ عليها بمخططات ذكية تتجنب المواجهة المباشرة مع ميتيران، إلا أنه هذه المرة قرّر توجيه الرد مباشرة إلى الرئيس. واتهم الحسن الثاني علانية رئيس الجمهورية الفرنسية بالوقوف وراء صدور الكتاب الجريء، واعتبر أنه يندرج ضمن سياسة جديدة للإيلزيه ضده شخصيا. وكان رده سريعا بحرصه على إمطار البريد الشخصي لميتيران بآلاف الرسائل المحتجة والغاضبة من طرف رعايا العرش العلوي. وأبلغه بذلك أنه قادر على لعب ورقة التعبئة الشعبية وتأجيج الرأي العام. "لقد اتسم ردي على كتاب "صديقنا الملك" بالجَلَد. فما هو النظام الذي ليست له عيوب ولا يتعرض لأي انتقاد؟ ولو أردت أن أزيد الطين بِلة لكان بإمكاني، أنا أيضا، أن أدلي بتصريحات تفضح ما كان يجري في فرنسا. إذ لم تكن تنقصني المعطيات. ولكنني اعتبرت أنه ليس من حقي أن أعكر جو علاقات عريقة…" يقول الملك الراحل في أحد حواراته الصحافية. وكانت العلاقات الطيبة بين بعض من قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاشتراكيين الفرنسيين، وعلى رأسهم، فرانسوا ميتيران، قد أنبأت الحسن الثاني بأن سحابة تقترب من سماء علاقات بلاده مع بلاد الأنوار. لكنه أحس بالضربات المباشرة تبلغ الرباط بعد ما باتت حملات الصحافة الباريسية متخصصة في انتقاد حكمه وممارسات أجهزته القمعية ومعتقلاته السرية. وبلغ الأمر مستوى بصدور كتاب: "صديقنا الملك". "كانت بينهما علاقة زمالة إن صح التعبير بوصفهما مثقفيْن تطبع الثقافة سياستَهما المشتركة"، يقول المستشار الملكي الراحل عبدالهادي بوطالب قبل أن يستطرد: "لكن عرفت علاقتهما برودة لم تطل. وإثر ذلك حضر الرئيس إلى المغرب في زيارة رسمية بدعوة من الملك وجرى بينهما حوار مباشر قال عنه الملك لحاشيته الخاصة – وكنت حاضرا- إنني أنسجم مع هذا الرجل وأقدره. وحديثنا شمل جميع القضايا ووجدنا أنفسنا مُتفِقيْن .