بقدر ما تفجّرت فينا حمم الغضب، واستبدّ بنا السهاد ليلة أول أمس، ونحن نفكّر في أبنائنا من شباب الريف الذين «غصبوا في شبابهم» لأنهم اختاروا أن يحلموا؛ بقدر ما بدا هول الخطر الداهم الذي يحيق بنا أكبر وأهول من مجرّد الغضب. ما وقع ويقع لنا منذ أشهر أكثر من مجرد انحراف في السياسة والحكم، وأعمق من مجرد الإدانة ومساءلة استقلال القضاء. فمن يصرّ على تأجيج نار الحكرة وينغّص الأفراح وينكأ الجراح، يريد لنا أكثر من مجرد الغضب. دعونا نضع بعض النقط على الحروف: ما عشناه من اعتقالات ومواجهات ودهس وتعذيب واختلاق الملفات وأحكام بعشرات السنوات سجنا، هو قرار سياسي. نعم نحن أمام قرار بتحويل «حفل» احتجاجي بديع حمل فيه الشباب الشموع والورود، إلى مأتم تنوح فيه الأمهات. نحن أمام اختيار سياسي عنوانه قتل السياسة والانتخابات، وهدم المؤسسات، وخنق الأصوات الحرة. ما عشناه حتى الآن مجرد تداعيات لحدثين فارقين وشبه متزامنين؛ الأول هو الانقلاب على نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016، والثاني هو حدث مقتل مواطن مغربي اسمه محسن فكري طحنا في حاوية للأزبال. في الأول، كما في الثاني، تغلّب المنطق السلطوي على الخيار الديمقراطي المؤسساتي الذي يقرّه الدستور. في الأول، جرى الشروع في هدم البناء المؤسساتي وإفراغه من الشرعية، ومع الثاني جرى الانتصار للقوي الذي تسبب بفساده في مقتل محسن فكري ضد المواطنين البسطاء الأحرار. ما يجري في المغرب اليوم أبعد من أن يكون منطق دولة، إذ لا يعقل أن يزجّ نظام سياسي بنفسه في نفق مظلم لا تظهر له نهاية. من يزرع الألغام تحت أقدامنا اليوم لا يعجبه مغرب يختار مواطنوه من يمثلهم، أو يخرج شبابه حاملين الشموع والورود. ما يحصل للمغرب اليوم هو محاولة لوأد مجتمع المواطنين الذي تولّد عن لحظة الربيع العربي، وتخييرنا بين الاستبداد والاستقرار. ما يحصل يوحي بأن هناك من بات مستعدا لهدم البيت فوق رؤوسنا جميعا لكي لا يخسر امتيازاته.