هو واحد من الكتب المثيرة، يصنف وثيقة تاريخية من قلب العمل المسلح لحزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية، ويضم وثائق مهمة بعضها ينشر لأول مرة، يحمل شهادة حية من كواليس التحضير لانتفاضة 3 مارس 1973، وتنظيم «الاختيار الثوري». امحمد التوزاني راوي هذه الأحداث يصفه رفيق دربه أحمد الطالبي المسعودي، بأنه «الشهيد الحي»، غاص في لجة أحداث وتجارب وأسرار ثورة لم تكتمل، بكل انتصاراتها وخيباتها ودروسها وتضحيات جيل وجد نفسه في مواجهة مفتوحة.. من أجل الحرية والديمقراطية. مؤلف الكتاب التقى المهدي بنبركة بالمغرب، وسيحاوره فيما بعد في دمشق قبيل التحاقه بمعهد الدراسات العسكرية بسوريا، كما سيلتقيه وهو في أوج عطائه، يجوب عواصم العالم تحضيرا لمؤتمر القارات الثلاث. انخرط التوزاني مع ثلة من مناضلين فلسطينيين وعرب من مختلف البلدان العربية في التكوين العسكري، كما انخرط في النضال الفلسطيني، وقام بنضال مشترك مع رفيقه غسان كنفاني، ومع تخرجه سيكون ضمن المستخرجين لرفات الأمير عبد القادر الجزائري من قبره في دمشق، وسيكون ممن حمل نعش الأمير عبد القادر إلى ساحة المرجة، حيث سيستلمه وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، لينقله إلى مثواه بالجزائر الشقيقة. قبل ليلة من قدوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وتحديدا ليلة 29 غشت 1972، أخبرني المرحوم محمد البصري بهذه الزيارة، وأنه من واجبنا أن نهيء عشاء في المستوى، أجبته سنقتسم ما تناوله جميعا، الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ليس أقل حكمة وتبصرا منك، أضف إلى ذلك أننا في آخر الشهر، وأنت تعلم أن مصروفنا بالكاد يفي بالحاجة، قاطعني، سنرى الأمر فيما بعد، فالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي مناضل، وفِي نفس الوقت صديق، احترامه ضروري، ثم خرج لفترة قصيرة وعاد وفِي يده 100 دولار، اقترضها من مناضل تونسي من جماعة فرحات حشاد وصالح بنيوسف، هيأنا وجبة عشاء تليق بالضيف، نالت رضا المرحوم الفقيه محمد البصري. شارك الأستاذ اليوسفي في الذكرى الثالثة لثورة الفاتح من شتنبر 1972 بكلمة هنأ من خلالها الثورة الليبية وما حققته من إنجازات، وشكر ليبيا على دعمها ومساندتها لمناضلي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من خلال برنامج صوت التحرير. تحدث عن دوره بصفته رئيس اتحاد المحامين العرب في الدفاع عن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة الذي كان معتقلا في السجون الجزائرية منذ 19 يونيو 1965 من طرف الهواري بومدين. وَقَد اعتبرت حضوره إلى ليبيا دليلا على أهمية القيادة الجماعية، حيث يقوم بالدور الموكول إليه في تسيير شؤون الحزب. مكث معنا الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قرابة أسبوعين. ومما أذكره أنه استدعاني رفقة إبراهيم أوشلح ليلقي علينا درسا حول المخزن وكيفية تعامله مع المغضوب عليهم، قائلا، هل تسمعون بالإسطبل (الروى)؟ قلنا نعم، وأضاف، إن المخزن عندما تنتهي صلاحية من يتعاملون معه، وقد يكون منهم "مناضلون"، يرميهم في الإسطبل لمدة تطول أو تقصر حسب طبيعة كل واحد وحسب درجة الاستفادة منه، وإذ لا حظ المخزن تحسنا في سلوك المغضوب عليهم، خفف الوطأة عنهم، وكلما ازداد خضوعهم، وكان المخزن في حاجة إليهم، يقربهم إليه، فيفرض عليهم تقبيل العتبة الشريفة، ويركعون لسيدهم حسب التقاليد. وبعد مدة قد يتم العفو عنهم، وإذا لم يكن في حاجة إليهم يتركهم يموتون في الإسطبل، تماماً كما كان يفعل السلطان إسماعيل بمكناس خلال فترة حكمه. معسكر السواني 1972 يقع معسكر السواني في ضواحي مدينة طرابلس وهو عبارة عن بستان كثيف الأشجار، وفيه من الناحية الشمالية أشجار البرتقال. في بداية 1972، كنت المسؤول عن التدريب في هذا المعسكر، وذلك بالقيام بتدريب المجموعات التي كانت ترد تباعا إلى معسكر السواني من داخل المغرب وخارجه، ثم بعد فترة ساعدني الرفيق أكرم، مناضل من الاتحاد، مقيم في ألمانيا حاليا، إلى جانب ضابط صف ليبي بعد ذلك. الدورات التدريبية لم تكن تتجاوز ثلاثة أشهر، المجموعات في حدود 19 كحد أدنى إلى 24 كحد أقصى، الوافدون للتدريب يأتون من أوربا (فرنسا، بلجيكا، هولندا) والمغرب الكبير، ومن سوريا، وأغلبهم طلبة … أول مجموعة قدمت إلى معسكر السواني، كان أفرادها من مناضلي بلجيكا وهولاندا، وأذكر جيدا أول لقاء لي مع هؤلاء المناضلين، تم بمعيّة إبراهيم أوشلح، بعد الترحيب بهم وتقديم الشروحات الوافية التي عليهم الالتزام بها، والاستعداد الجيد لكل ما سيتلقونه من تدريبات، قد تكون شاقة ولكنها مفيدة، رفعا لمعنوياتهم وعزيمتهم وصبرهم للساعات الطويلة التي سيقضونها خلال مدة التداريب الجديدة عليهم، خصوصا الرياضة البدنية التي ستتم يوميا بكل أصنافها (الركض، الزحف على البطن، اختراق الضاحية مسافة 20 كلم مرة في الشهر)، إضافة إلى الجانب النظري والتطبيق العملي لما تعلّموه، وكانت ملاحظاتي تتلخص في أن المجموعة بها الكبار وصغار السن، كان من بين صغار السن المناضل إبراهيم المانوزي الذي اتفقنا أن مكانه المدرسة وليس المعسكر.