الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    لجنة الاستئناف التابعة لل "كاف" ترفض طلب اتحاد العاصمة الجزائري ضد نهضة بركان.. واستقبال حافل للنادي بالمغرب    الكابرانات وبواقهم ما رضاوش بالخسراة مع بركان والكاف: غنمشيو للطاس    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    أمطار متوقعة ابتداء من الليلة القادمة فوق كل من طنجة واللوكوس    إحباط عملية تهريب مخدرات هائلة بالجزيرة الخضراء .. 25 طنًا من الحشيش داخل شاحنة مغربية    توقيف أربعة أشخاص في طنجة بتهمة الضرب والجرح باستخدام السلاح الأبيض    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    الحكومة والنقابات تتجه للتوقيع على زيادة في الأجور قدرها 1000 درهم    بركة: مناورات الجزائر لإحداث تكتل جديد دون المغرب خيانة للشعوب المغاربية    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    فرنسا تبحث إمكانية الاستثمار في مشاريع المملكة خلال كأس العالم ل2030    موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس "التزاما سياسيا واستراتيجيا    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    وزارة الصحة تعلن تسجيل 10 إصابات جديدة بفيروس كورونا    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر.. احتجاج بصبغة دينية
نشر في اليوم 24 يوم 15 - 08 - 2018

تشهد الجزائر احتجاجات اجتماعية، سلمية، متقطعة، لكن عدواها تنتقل من مدينة إلى أخرى. يندّد أصحابها بالحفلات والمهرجانات الفنية التي تُصرف عليها أموال طائلة، فيما يعاني المواطن ظروفا معيشية صعبة، ويطالبون بمنح الأولوية القصوى للتنمية، لتحسين ظروف المعيشة. وتثير هذه الاحتجاجات الانتباه لأمرين. أولاً استهدافها التظاهرات الفنية، التي كثيراً ما تثير نقاشات في البلاد بسبب تكاليفها، ذات الطبيعة الموسمية. ثانياً الصبغة الدينية التي بدأت تتّخذها، ما جعل التنديد بالحفلات الفنية لا يحكمُه عامل هدر المال، في زمن البقرات العجاف، وإنما أيضاً العاملان، الأخلاقي والديني.
مرّة أخرى، يعود الجنوب الجزائري ليحتل صدارة الحركات الاحتجاجية الاجتماعية في البلاد، مع موجة الاحتجاجات الحالية ضد السهرات والمهرجانات الفنية. وتدل هذه المظاهرات، ذات الطابع الاجتماعي، على نقلةٍ نوعيةٍ في نماذج الاحتجاجات في الجزائر، تنديداً بظروف المعيشة الصعبة، وبالتخصيص غير العقلاني وغير العادل لموارد البلاد. إنها مفارقة: انتفاضة سكان المنطقة الأكثر ثراءً، والتي تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلاد، لما تزخر به من ثرواتٍ نفطيةٍ وغازية، وحتى معدنية، لكنها الأقل استفادةً منها. إنها منطقة المفارقات، فالضآلة السكانية الحادّة لمنطقة الجنوب تقابلها كثافة طاقوية قوية، إذ تمثل المحروقات، القادمة من الصحراء، 97% من إيرادات الجزائر، بمعنى أن الشمال الذي يسكنه حوالي 90% من الجزائريين، ويمثل حوالي 20% من مساحة البلاد، لا يساهم إلا بنسبة 3% في إيرادات البلاد، وربما أقل إذا احتسبنا بعض المحاصيل الزراعية، مثل التمور التي تأتي أيضاً من الجنوب، ويُصدّر جزء منها إلى الخارج. تؤكد هذه الاحتجاجات على تطور في الدينامية الاحتجاجية في الجزائر، وعلى تحوّل في علاقة مناطق الجنوب بالسلطات المركزية، فالجنوب بقي زمنا طويلا في منأىً عن الاحتجاجات شبه اليومية، متفاوتة الحدّة والتعبئة والانتشار التي تشهدها المناطق الشمالية. بل كان حالة استثنائية في خريطة الانتفاضات المتقطّعة في البلاد. وحتى لما عرفت هذه الأخيرة حركات احتجاجية عارمة في الشمال، بقى الجنوب هادئاً، وكأنه غير معني تماماً بما يحدث، لكن الوضع تغير منذ حوالي أربع سنوات، فقد حول أهل الجنوب منطقتهم إلى القلب النابض للحركات الاحتجاجية في البلاد، فضلاً عن كونها القلب النابض لاقتصادها.. استعمل المتظاهرون شبكات التواصل الاجتماعي التي انتشرت فيها، في الآونة الأخيرة، حملات منادية بمقاطعة بعض السلع، مثل التي تستهدف السيارات المصنوعة (المركّبة) محلياً لارتفاع أسعارها. وقد أثرت هذه الحملة فعلاً على سوق السيارات في الجزائر، حتى وإن لم تنجح في إحداث تخفيض حقيقي في الأسعار، فإنها أربكت السوق، وجعلته يعرف نوعاً من الركود، من حيث حركة البيع والشراء. إذا كانت الموجتان، الأولى والثانية، محدودتي العدوى، لأن إمكانية انتقالهما إلى مناطق شمال البلاد مستبعدة، كونها مناطق ذات طبيعة مناطقية (مطالبة بالاستفادة من ثروات المنطقة من جهة ومواجهات طائفية من جهة ثانية)، فإن إمكانية عدوى انتقال الموجتين، الثالثة والرابعة، كبيرة جداً، لأنهما تحملان هموماً وطنية البعد. والدليل أن الاحتجاجات المستهدفة السهرات والمهرجانات الفنية انتقلت من مدينة بجانية إلى مدينتي ورقلة (جنوب)، في أواخر شهر يوليوز الماضي، ثم سيدي بلعباس (شمال غرب) مطلع شهر غشت الحالي، فضلاً عن مدن أخرى، مثل قسنطينة (شمال شرق). إذا كان البعد الاجتماعي – الاقتصادي لهذه الاحتجاجات لا شك فيه، فإن ولوج العامل الديني الساحة أوجد نوعاً من الإرباك، لأنه يبدو أن ما يمكن تسميتها السلفية الاجتماعية تغلغلت في الاحتجاجات أخيرا، وأعطتها بعداً دينياً أيضاً، إذ إن طريقة الاحتجاج واختيار بعض الأماكن للتجمع تعبر عن نزعة دينية تذكّرنا، إلى حد ما، بما حدث خلال تسعينيات القرن الماضي، لمّا عرفت الجزائر صراعاً أهلياً دموياً. حيث أقام المتظاهرون في ورقلة صلاة المغرب أمام مسرح الهواء الطلق الذي كان سيحتض السهرتين الفنيتين. وتكرّر المشهد نفسه في سيدي بلعباس، أي أقام المتظاهرون صلاة المغرب أمام القاعة التي سيقام فيها مهرجان أغنية الراي. وتوحي عودة ظاهرة "الصلاة في الشوارع"، في مثل هذا السياق، بأن السلفية الاجتماعية التي تسامحت معها السلطة، وربما شجّعتها لخدمة مآربها السياسية، بدأت في استرجاع بعض الاحتجاجات الاجتماعية، وإضفاء صبغة دينية عليها. تطرح هذه الاحتجاجات تحدياتٍ للسلطة التي لم تتعوّد على تنوّعها، وخصوصا على انتقال عدواها واستخدامها شبكات التواصل الاجتماعي. لهذه الاحتجاجات رسالة واضحة: لم تعد الخيارات الاقتصادية الكبرى للبلاد حكراً على الحكومة، بل للمجتمع المدني الناشئ كلمته فيها (استغلال الغاز الصخري)، كما أنه لم تعد خياراتها وصلاحياتها في تخصيص الموارد المالية حكراً عليها، فالشعب يريد أن تكون له كلمته في الأمر. هذا يعني أن المحتجّين يتهمون الحكومة بالعبث بالمال العام.
لتهدئة الوضع، قد تردّ الحكومة بوعود بضخ مبالغ ضخمة في مشاريع تنموية في المناطق التي تشهد هذه الاحتجاجات، لكن العامل الديني غيّر قواعد اللعبة، لأن النزعة الدينية لا يمكن إرضاؤها مالياً فقط، بل أيضاً أيديولوجياً. وبالتالي، من غير المستبعد أن تفضل الحكومة الانحناء الاستراتيجي، لأنها مقبلة على استحقاق انتخابي (رئاسيات أبريل 2019) ريثما تهدأ الأمور، ما قد يوحي بإقدامها على تنازلاتٍ ليس بالضرورة للمطالب الاجتماعية، وإنما للنزعة الدينية، ما سيدعم من موقف السلفية الاجتماعية في البلاد.
عن (العربي الجديد) بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.