بعد أقل من سنة على مغادرته قصر الإليزيه الرئاسي، في حفل تسلم وتسليم "السلطة" لخلفه إيمانويل ماكرون، أصدر السياسي الاشتراكي ورئيس الجمهورية الفرنسية السابق، فرونسوا هولاند، كتابا تحت عنوان "دروس السلطة" les leçons du pouvoir، يسلط من خلاله الضوء على تجربته السياسية في فترة الأعوام الخمسة التي قضاها في سدة الحكم. كتاب هولاند الجديد "دروس السلطة" الصادر عن "دار ستوك"، تضمن استعادة مفصلة لولاية الرئيس الفرنسي السابق، التي انتهت بأن أصبح أول زعيم فرنسي في التاريخ الحديث لا يسعى لإعادة انتخابه وتجديد ولايته، والأجدر بالذكر أن هولاند أوضح في مقدمة الكتاب الذي استهله بالتفاصيل والمشاعر الذي رافقته خلال الساعات الأخيرة لمغادرته الإليزيه، (أوضح) أنه اتخذ قرار إصدار هذا الكتاب، بالضبط يوم حفل تسليم السلط، ولعله يحاول من خلال هذا الكتاب "التفسير والتبرير وقول كل شيء، قبل أن تنسب له أشياء.. والتاريخ لا يرحم". بعد صمت استمر منذ انتهاء رئاسته في ماي من السنة الماضية، عاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من خلال كتابه "دروس السلطة"، لتعميق الفجوة أو الحرب الباردة كما تسميها صحيفة "لوموند"، بينه وبين خلفه ووزير الاقتصاد في حكومته إيمانويل ماكرون، خاصة بعدما اتهمه بتعميق عدم المساواة في المجتمع بخفض الضرائب مساعدا الأثرياء والشركات، وبإصلاحات للسياسات دفعت المنتمين لتيار اليسار لوصف المصرفي السابق بأنه "رئيس الأثرياء". ولادة طموح ماكرون… تجهضه مغربية هولاند يقول إن خلفه يغذي طموحه بإحباطات الآخرين وإخفاقاتهم، بل وحتى استقالاتهم، فهو مستعد لتأبط جميع المناصب، ليصير الآمر الناهي، وليكون محط الاهتمام، وهذا تماما ما حدث في خريف سنة 2015، "آنذاك ماكرون شعر بالعطالة قليلا، فقرر إعداد قانون ثان يحمل اسمه، وهذه المرة لتخفيف الوطأة على سوق الشغل، وتسهيل إنشاء الأعمال، والاستثمار وتعبئة المدخرات للاقتصاد، وجه مشروعه بالأخص لتشجيع التوظيف، لتحسين المفاوضات لتكون أقرب إلى واقع الشركة، بالأخص لتوفير أكبر قدر من الحماية لأولئك الذين يجبرهم التطور التكنولوجي على تغيير وظائفهم، كان آنذاك فرانسوا ريبسن وزير التشغيل، هو المسؤول عن هذه الأمور في الحكومة، وبأغلبية كبيرة مرر للتو قانونا متعلقا بالحوار الاجتماعي الذي يعد خطوة إضافية في تطور قانون العمل". الإنجازات التي حققها وزير التشغيل فرانسوا ريبسن، لم تمنعه من تقديم استقالته في تلك الفترة من منصبه كوزير ليتولى رئاسة بلدية مدينة ديجون، إحدى المدن المهمة الفرنسية بعد وفاة عمدة المدينة السابق آلان ميّو (65 عاماً) بمرض السرطان، "اضطر للأسف ريبسن للعودة إلى مدينته، امتثالا لقاعدة عدم تجميع المسؤوليات، وبطبيعة الحال أول من سيقترح نفسه، هو إيمانويل ماكرون، الذي انتعش طموحه مرة أخرى، فأخبرني فورا أنه على استعداد لتولي هذه الوزارة إلى جانب وزارة الاقتصاد، فكرت مليا، تصريحاته في الصحافة حول مواقيت العمل وتخفيف قواعد الفصل أثارت غضب النقابات الأكثر انفتاحًا على التفاوض، وعلاوة على ذلك، فإن فكرة إضافة وزارة العمل إلى وزارة الاقتصاد، يبدو لي أنه مشروع باروكي لن يستقيم، ومن شأنه أن يربك جهاز الدولة دون تحقيق فوائد بخصوص العمل.. أفضل أن تحل محل فرانسوا ريبسن، ميريام الخمري التي أبانت عن علو كعبها في وزارة المدينة". ظهور الإحباط "إيمانويل ماكرون يتحمل مرارة إضافية، تدهورت علاقاته مع رئيس الوزراء بعدها، بسبب تذكيره بالمشروع الأمر الذي أرسله رئيس الحكومة إليه، حيث طلبت منه أن يقدم مشروعاً يروج لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة وتمويل الاقتصاد. وستضطلع مريم الخمري بمسؤولية إصلاح قانون العمل، الأمر الذي لم يرق له". إحباط ماكرون تفاقم بعد هجمات 13 نونبر، حيث تغيرت جدولة الأعمال، "لم تكن الظرفية الزمنية ملائمة لفحص البرلمان للنصوص الاقتصادية. نحن بحاجة إلى إعداد قانون فوري حول حالة الطوارئ والإجراءات الجنائية، بالإضافة إلى احتمال إجراء مراجعة دستورية. تمت تعبئة الحكومة بالكامل حول مكافحة الإرهاب. كما وجب عليها ضمان تنظيم مؤتمر COP21 بعد بضعة أيام في باريس. مع مانويل فالس، اتفقنا على الإشارة في بداية عام 2016، إلى مشروع الفرص الاقتصادية الجديدة (NOE) الذي قدمه إيمانويل ماكرون". "في 16 فبراير، ترأست اجتماعا حاسما في الإليزيه، جلسنا على الطاولة الخضراء الكبيرة على مقربة من مكتب الرئيس، حضر كل من مانويل فالس وميشال سابين وإيمانويل ماكرون ومريام الخمري ومستشارينا.. وزيرة العمل قدمت مشروعها. إنه متوازن. لقد أرادت أن تفتح فرصًا حقيقية في وجه الشركات الصغيرة والمتوسطة لتسهيل التوظيف. طبعا أنا أدعمها: توجد مصادر الوظائف." "ما لاحظته آنذاك هو أن مانويل فالس وإيمانويل ماكرون ولعدة أشهر يراقبان بعضهما البعض بحذر، يخشون بعضهم لأن مواقفهما متشابهة وطموحاتهم على عكس ذلك. إنهم يجرون اعتداءً على التعديلات لكي يذهبوا بقدر الإمكان إلى المرونة، لاسيما في الشق المتعلق بتعريف الفصل أو الحد الأقصى للتعويضات الصناعية. وقد تم العثور على جميع هذه الأحكام في وقت لاحق في المراسيم المعتمدة في غشت 2017، ما ثبت وجود اتساق معين من جانب الرئيس المقبل.. حذرتهم من هذا الإغراء ولن تستطع النقابات الإصلاحية قبول النص كما هو، وبدونها ستكون المعركة لإصلاح الرأي العام والبرلمان أكثر صعوبة. أجابوا بأن النص في أي حال سيثير معارضة المعارضين وCGT.. قبلت صيغة بعض النصوص التي تتطلب المساومة، في تلك اللحظة، فهمت أن إيمانويل ماكرون غير راضٍ عن إعفائه من الدفاع عن هذا النص. بالنسبة إلى أكثر الناس ليبرالية، كان يمكنه القول إنه ذهب إلى أبعد من ذلك، وأنه كان سيقف بقوة ليدافع عن نصه. وبالنسبة للآخرين، كان يمكن أن يقول إن هذه الطريقة ليست الطريقة الصحيحة، وإنه كان سيجد الكلمات لإقناع الشركاء الاجتماعيين. ولكن على أي حال.. إن كسله النسبي يمنحه الوقت الكافي لتكريس نفسه بالكامل للسياسة".