بعناد مغربي وشغف جرماني، يواصل المخرج المغربي محمد نبيل، المقيم في برلين منذ سنة 2006، إخراج الأفلام وإنتاجها. إذ دفع حبه للسينما ورغبته في العمل، مرة أخرى، إلى إخراج فيلم وثائقي جديد يحمل عنوان "صمت الزنازين"، رغم الصعوبات التي واجهها فريق التصوير والإنتاج في إنجاز العمل، خاصة بالمغرب. يسعى هذا الفيلم إلى الإجابة عن السؤال التالي: كيف تعيش النساء القابعات خلف القضبان في السجون المغربية؟ لا يقدم الفيلم السجن باعتباره أسوارا من الإسمنت فحسب، وإنما يصوره بوصفه جدارا من الصمت الذي يخفي وراءه طابوهات يصعب الكشف عنها. لقد استطاع المخرج الألماني المغربي محمد نبيل أن يحكي قصة السجون المغربية بصيغة المؤنث. إذ حصل المخرج في النهاية، بعد سنتين من الانتظار، على تصريح بالتصوير من قبل السلطات المغربية، وبالتالي دخل مع فريق التصوير إلى هذا العالم السري. يثير الفيلم أسئلة استفزازية حول نظام السجون والمجتمع في المغرب، كما يقدم صورا ملفتة عن المعتقلات وموظفي السجون. إذ لا تقدَّم بطلات هذا الشريط التسجيلي، الذي تصل مدته إلى ساعة وخمس دقائق، انطلاقا من الجرائم التي ارتكبنها فحسب، بل من خلال قصصهن وكيف ينظرن إلى حقيقة السجون. ومن أجل التقليل من حدة المسكوت عنه في الشريط، أنجز المخرج مقابلات مع سجينات عشن تجربة السجن في الماضي. في حديثه عن هذا العمل، يقول نبيل في توضيحات يقدمها لجريدة "أخبار اليوم": "الحكي عن السجن رهان صعب فنيا وجماليا وحتى موضوعاتيا. والفن السابع يحاول أن يقدمها في صمت الزنازين على طبق جميل." كما يتحدث عن منهجيته في تناول هذه التجارب عبر السينما، حيث يشير إلى أنه لا يؤمن "باختزال السينما التسجيلية في قصص الواقع، بل هناك رهان الجمال والفن ووجهة نظر المخرج، مؤكدا أنه يحاول أن يقدم للجمهور هذه الحكاية المظلمة والحزينة بأسلوب مغاير ومعالجة جميلة. هنا يقول نبيل إن "الجماليات روح العمل السينمائي لأنها تساهم في تربية الذوق المجتمعي، وتسمح إلى جانب محددات وعناصر أخرى في طرح السؤال." كما يعتبر أن "السينمائي يحاول طرح التساؤل المفتوح والمستفز للعقل بدل طرح إجابات قطعية، مشيرا إلى أن "الفن السابع رحلة تحضر فيها عدة لغات". ويرى محمد نبيل أن "صمت الزنازين" يتميز، مع ذلك، بسيادة "لغة الصمت الدالة التي فرضتها طبيعة الموضوع." وفي الشريط كذلك "عناصر تخيلية جميلة"، كما يقول، على اعتبار أنه يوضبه بالموسيقى والغناء والتصميم الصوتي، ما يجعله قادرا على الجمع بين عنصري المتخيل والواقعي. ويشير على سبيل التلخيص قائلا: "ما زلت لا أؤمن بتلك القطيعة أو الفصل بين الواقعي والمتخيل.. إذ التداخل بينهما حاضر بقوة في الشريط." ولأول مرة، يعمل مصورا الشريط الألمانيان، جورج ستيفان ودورين انسيانيفسكي، في عمل تسجيلي، لأنهما يشتغلان دوما على مشاريع سينمائية روائية. كما شارك في إنجاز هذا الشريط فريق جله من ألمانيا وعلى رأسهم المنتجة إيفا ليوناردي. ورغم هذا الطاقم الفني والتقني، إلا أن إنجاز الفيلم اعترضته الكثير من العوائق، أولها الرخصة التي تسمح بتصوير الفيلم، والتي لم تأت إلا بعد عامين. أضف إلى هذا أن مدة التصوير لم تتجاوز أسبوعين، مع ما نجم عن دخول الكاميرا إلى المؤسسة السجنية المغربية من مشكلات إدارية وتقنية، إلخ. ومما زاد الطين بلة انسحاب مشاركة من العمل، وكذا إشكالات اللغة والثقافة، التي طرحت صعوبات أمام الفريق الألماني. ومع ذلك، "استطاع الفريق الألماني أن يتغلب على كل العوائق، وينتج فيلما وثائقيا مقنعا لنا"، كما يقول المخرج. من جهة أخرى، وإلى جانب العروض المقدمة في المغرب، عرض الشريط لحد الساعة في مهرجانات دولية عدة، حيث عرض الشريط في برلين، في العرض ما قبل الرسمي في أكتوبر 2017. كما عرض في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في لندن، وفي المهرجان الوطني للفيلم في طنجة خلال مارس 2018، وفي المهرجان الدولي للشريط الوثائقي في أكادير خلال يونيو الماضي، وفي مهرجان السينما الإفريقية في الأقصر المصرية خلال مارس الماضي. سيعرض الشريط في المهرجان الإفريقي للسينما في تولوز خلال الشهر الجاري، وفي مدن أوربية عدة من بينها دوسلدورف وفايمر خلال شتنبر المقبل. وسيلتقي الجمهور مع مخرج الشريط لمناقشته عن مواضيع المرأة والسجن في المغرب، إذ سيعرض الشريط في مدينة لوزان في سويسرا، شهر نونبر المقبل، على أن يناقش المخرج مضمونه مع الجمهور السويسري هناك.