يعتبر الباحث في الثقافة الأمازيغية، الدكتور عمر أمرير، اختيار الكتابة عن السوسيين في الدارالبيضاء، ليس «نزعة» تحصر العصامية في المنحدرين منه، وتنفيها عن غيرهم من إخوانهم في كل ربوع المغرب.قصة هذا الكتاب كما يرويها الباحث أمرير، هي تحفيز لذاكرته في الدارالبيضاء على امتداد حوالي 40 سنة من مسار حياته فيها. منذ زمن طفولته، حيث سافر به والده – رحمه الله- من سوس، للدراسة فيها،عندما بدأ والده ممارسة التجارة مع شقيقه.منذ ذلك الزمن وإلى اليوم، سيجد الدكتور عمر أمرير في موضوع الكتابة أن من بين ما سجله شريط ذكرياته، أسماء لسوسيين مسلمين ويهود، انطلقوا من الصفر في ميادينهم، معتمدين على إمكانياتهم الذاتية، ومواهبهم الشخصية. وبلغوا أوج تفوقهم في حياتهم بتجارب إنسانية عميقة. إذا رأى اللاعبون الطربوش قد وضعه مدربهم الأب جيكو مائلا نحو اليسار – مثلا- فذلك يعني أن على اللاعبين العمل خلق ثغرات في دفاع الخصم من الجهة اليسرى. أما إذا رأوا الطربوش يميل يمينا، فالفرصة متاحة لهم للتسجيل بالتركيز على اللعب في يمين الملعب. وإذا ظهر الطربوش قد انحسر إلى الخلف فوق القفا، فلا بد من تقوية الدفاع، أما حين يتقدم الطربوش على الجبين فوق الحاجبين، فتلك دلالة على الحراسة اللصيقة وتضييق الخناق على لاعبي الخصم داخل مربع العمليات. أما إذا أزاح الطربوش عن رأسه، أو إذا أزاله وتعمد مسكه بأصابعه، أو إذا وضعه، فلكل وضع رمزيته التي يطبقها اللاعبون داخل الميدان، دون أن يسمع أحد صراخ المدرب الأب جيكو الهادئ /الصامت وراء خط الشرط، عكس ما قد يلاحظ على المدرب المنافس من تحركات عصبية وارتفاع الصوت، فيما يسببه الصراخ والصياح من تأثير سلبي على اللاعبين. حتى بعد انكشاف سر طربوش الأب جيكو المتحكم في تسيير اللعب داخل الميدان عن بعد، بحركات وأوضاع الطربوش، حتى بعد انكشاف السر لم يتوقف الأب جيكو عن التمويه بتلك الطريقة التي تأكد من أنها صارت تؤدي نوعا من الحرب النفسية، التي يلهي بها مدرب الفريق المنافس ولاعبيه ومشجعيه… يبدو أن الموهبة الشعرية التي يتمتع بها الشاعر المدرب الأب جيكو، كانت بصماتها الإبداعية تتجلى في قدرته على جعل لاعبي الرجاء يطبقون بشاعرية وفنية طريقة اللعب التي كان يسميها " دقة، دقة" و"هاك ورا" و"واحد جوج".. نشير هنا إلى أن الاسم الأول – دقة دقة- من المصطلحات الفنية في إيقاع فن الدقة الرودانية التي كان الأب جيكو من المولعين بها. من الطرائف التي وظف فيها الأب جيكو مصطلحين موسيقيين أحدهما "النفار"، نافخ النفير في مثل فن الدقة الرودانية وغيرها من الفنون التي يعتبر فيها "نفار" قمة الفنانين. والمصطلح الآخر "عواد"، أي عازف العود الذي له الصدارة. وظف الأب جيكو المصطلحين في طريفة كروية رواها عنه أبو بكر جضاهيم، الرئيس السابق لفريق الوداد قائلا: حدث في الملعب الشرفي – محمد الخامس الآن- خلال متابعة مباراة تجمع فريق نجم الشباب البيضاوي، بفريق الجمعية السلاوية، وسيكون مصير الفريق المنهزم في تلك المباراة النزول إلى القسم الثاني. قبل انتهاء المواجهة كان الفريق البيضاوي منتصرا بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، مما يعني بقاء فريق النجم البيضاوي في القسم الأول، واندحار الجمعية السلاوية إلى القسم الثاني، لكن أحد المتفرجين قال للأب جيكو – في نوع من التحدي- إنه من المستحيل نزول الفريق السلاوي رغم انهزامه فسأله الأب جيكو ما المانع من نزول فريق انهزم؟ أجابه الرجل: لأن رئيسه هو الأستاذ عواد – المشرف على تربية الأمير- أي الملك الحسن الثاني فيما بعد. لكن الرد كان سريعا من الأب جيكو قائلا: "وخا يكون الرئيس ديال سلا "نفار ما شي غير عواد الفرقة نزلات". أكيد أن ما أدركنا من طرائف حكيمة تُروى عن الأب جيكو، لو جمعت لكانت كتابا زاخرا ببدائع الطرائف المغربية… حب الأب جيكو للعب الرفيع في ميدان كرة القدم، كان يؤدي به إلى السفر على نفقته إلى الملاعب الأوربية وحتى أمريكا اللاتينية، وخاصة ملاعب البرازيل قصد حضور مباريات كروية يعرف أنها ستكون فرصة لا تعوض للاستمتاع باللعب الرفيع، فنيا وتقنيا، بل وتحكيما وتنظيما. من مفاخر الأب جيكو الوطنية كونه "المغربي الوحيد الذي حضر تظاهرة كأس العالم لكرة القدم بدعوة من الجامعة الدولية FIFA"… إذا التفتنا في حياة صاحب الترجمة إلى الجوائز المعنوية الرفيعة الدلالة، والشهادات التقديرية العديدة، سنشير إلى أنه كان له شرف توشيح صدره بوسام ملكي من الملك الراحل محمد الخامس. يصر أبو بكر اجهاضيم، الرئيس السابق لفريق الوداد الرياضي البيضاوي، على أن الأب جيكو كان فلتة كروية لن يجود الزمان بمثلها. توفي الرجل رحمه الله في الدارالبيضاء يوم السبت 29 غشت 1970، وأمام هذا المصاب أقام فريق الرجاء البيضاوي دوري دولي تكريما لأبيه الروحي ذاك. ولتخليد اسمه، ثم إطلاق اسم "الأب جيكو" على ملعب لكرة القدم بالدارالبيضاء.