لم يكن عبد الحميد أمين، المناضل اليساري والحقوقي، يعتقد أن اعتصاما أمام السفارة المغربية بباريس للاحتجاج على نفي قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سيقوده إلى قضاء ما يناهز سنة في التجنيد الإجباري، ويضيع سنة من الدراسة، بعد عودته إلى المغرب من أجل التدريب في مركز فلاحي. أمين يسترجع ذكرياته مع التجنيد الإجباري، ويحكي ل»اليوم24«، قائلا: »عدت إلى المغرب صيف سنة 1967 من أجل التدريب في بنسليمان، غير أنني سأفاجأ بتوصلي برسالة جلبها لي ضابط صف، تأمرني بالالتحاق الفوري بالتجنيد، وذلك بعدما سُجل اسمي خلال اعتصام باريس، وأخبرني الضابط بأنه علي أن ألتحق في اليوم الموالي بمركز القيادة العليا للجيش. وبالفعل ذهبت في اليوم الموالي الذي كان يصادف 25 غشت 1967، وقابلت المسؤول عن التجنيد، وحاولت إقناعه بإعفائي حتى أنتهي من دراستي، خاصة أن سنة واحدة فقط تفصلني عن الحصول على دبلوم مهندس زراعي، لكنه رفض، فأخرجت بنودا من القانون تنص على أنه يمكن إعفاء الطلبة من التجنيد، لكن أجابني بتعالٍ قائلا: ‘‘يمكن''، حينها عرفت أنه علي أن ألتحق بالثكنة، وأن تجنيدي هو قرار قمعي»، يقول أمين. في اليوم نفسه، التحق عبد الحميد أمين، الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي المغربي، بالتجنيد في ثكنة الحاجب، التي كانت مخصصة للمناضلين اليساريين آنذاك، حيث يستعيد تلك الذكريات قائلا: «عند وصولي، مُنحت كيسا به الملابس التي سأحتاج إليها طيلة تلك الفترة، من ملابس عسكرية ورياضية وحذاء، وبعدها التحقت بالقشلة، هناك وجدت أغلب قادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، محمد الحلوي، عمر الفاسي، محمد الفاروقي، محمد لخصاصي، والطاهر بنجلون، وهم كانوا أول فوج يلتحق بالتجنيد». لم ينضم أمين إلى جناح رفاقه، بل جرى ضمه إلى جناح ضباط صف عاديين، «وُضعت في جناح ضباط عاديين معزول عن قيادة الاتحاد الوطني. خلال الثلاثة أشهر الأولى، كنا نستيقظ في السادسة صباحا، ونمشي مدة ساعة ونصف بعدها نقوم بتحية العلم»، وفي هذا الصدد يحكي أمين قصة طريفة اكتشفها خلال تحية العلم، حيث يقول إنه كان يظن أن الضباط عند نهاية النشيد يرددون «عاش الملك»، لكنه سيكتشف فيما بعد أن نصفهم كان يردد «عاش الواليد»، والنصف الآخر «علاش آ الملك»، وكان الخلط بينهما يؤدي إلى سماع «عاش الملك». وعن التكوين الذي خضع له، يقول إنه كان تكوينا عاديا على حمل السلاح واستعماله وبعض التقنيات، لكن كانت هناك مادة تدرس لهم خلال تلك الفترة للتربية على المواطنة وحب الوطن، ويضيف أنه خلال فترة تجنيدهم لم يكونوا يتقاضون أي تعويض مالي عن خدماتهم. بعد انتهاء فترة التكوين، جرى إلحاق عبد الحميد أمين بإدارة الثكنة، حيث كلف بالحسابات والشؤون الإدارية، ويقول في هذا الصدد إنه هو من استقبل الفوج الثالث الذي دخل بعدهم بعدما انتهت فترة تجنيد الفوج الأول، وهو من كان يسجل أسماءهم ومعلوماتهم، ويقدم للملتحقين كل ما يحتاجون إليه خلال فترة وجودهم في الثكنة، مضيفا أنه بالرغم من كونه ضيع سنة دراسية، فإن التجربة كانت جيدة، وتعرف فيها على أشياء كثيرة ما كان ليعرفها خارج تلك التجربة. أمين لم يكمل فترة التجنيد الإجباري التي كانت محددة في 18 شهرا، بل قضى فقط 13 شهرا، ويقول ل«اليوم24» إنه بعد التحاقه بالتجنيد، كان كل يوم سبت يذهب إلى وزير الفلاحة من أجل طلب إعفائه من الخدمة، لأنه كان هناك تعاقد ينص على توفر الوزارة للطلبة الإمكانيات للدراسة والتكوين خارج المغرب، وفي المقابل، وبعد انتهاء دراستهم يعودون إلى المغرب للخدمة في أسلاك الوظيفة العمومية لمدة لا تقل عن 8 سنوات، وبعد تكرار المحاولة استجاب الوزير لطلبه، وجرى إعفاؤه من خمسة أشهر الباقية، ليلتحق بدراسته في العاصمة الفرنسية باريس. قصة أخرى لسياسي آخر، لكن ليس مع التجنيد الإجباري بل مع التهرب من التجنيد الإجباري، حيث يحكي عبد السلام بلاجي، القيادي بحزب العدالة والتنمية، ل«اليوم24»، كيف استطاع التهرب من خدمة التجنيد، قائلا: «كل سنة كان يصلني استدعاء للالتحاق بالتجنيد الإجباري، كنت حينها لاأزال طالبا، وفي كل مرة كنت أذهب وأقنعهم بأنني مازلت طالبا، وأنني سألتحق بعد انتهائي من الدراسة»، ويضيف: «عند انتهائي من الدراسة الجامعية، جرت المناداة علي من أجل الالتحاق بالتجنيد الإجباري مرة أخرى، فسلمت أمري لله، وقررت الامتثال، غير أنه جرى استدعائي لأداء الخدمة المدنية في التدريس، فنجوت بأعجوبة، لأنه لا يمكن أن تجمع بين الخدمتين».