يستأثر موضوع مجانية التعليم باهتمام كبير هذه الأيام، مع قرب شروع البرلمان في مناقشة مشروع القانون الإطار حول إصلاح التعليم، الذي صادق عليه المجلس الوزاري في 20 غشت الماضي. لأول مرة نص المشروع على فرض رسوم الدراسة تدريجيا في مرحلة أولى في التعليم العالي، وفي مرحلة ثانية في الثانوي. البعض اعتبر أن هذا توجه لضرب مجانية التعليم، فيما تدافع الحكومة عن القرار بكونه يرمي إلى تنويع مصادر تمويل التعليم العمومي. مبدئيا، لست ضد فرض رسوم التسجيل إذا كانت الأهداف واضحة وقابلة للتحقق، وترمي إلى النهوض بالمدرسة العمومية في أفق زمني دقيق، لكن، مع الأسف، ليس هناك تصور واضح لموضوع تمويل التعليم بفرض الرسوم يمكن على أساسه أن نناقش مدى جدوى هذا الإجراء. في حوار لكاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي، خالد الصمدي، مع «أخبار اليوم» في عدد أمس، تبين أنه لا يملك أجوبة عن عدة أسئلة، من قبيل قيمة الرسوم، وعلى أي أساس ستحدد؟ وهل هناك معايير ستوضع للأسر «الميسورة» التي سيكون عليها أداء الرسوم؟ وما هو سقف الدخل الأسري الذي سيفرض عليه الأداء؟ وما هي شروط الإعفاء من الرسوم؟ وأين ستوجه التمويلات؟ الوزير قال إن «هذه التقديرات يقوم بها المختصون وليس شخصٌ يجلس في مكتب مثلي»، وإن الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم «نصت على إجراء دراسة». هذا يعني أن البرلمانيين الذين ستُطلب منهم المصادقة على المشروع لن تكون أمامهم صورة واضحة، ولن توضع أمامهم هذه الدراسة وهم يصادقون على قرار خطير يتعلق بالمواطنين، ولن يطلعوا مسبقا على تصور متكامل لموضوع فرض الرسوم في التعليم الجامعي والثانوي وشروطه وجدواه. ويمكن أن نتساءل: كيف يمكن للبرلماني أن يصوت على قرار بهذا الحجم دون أن تكون الصورة واضحة أمامه؟ لكن، بعيدا عن جدل المجانية أو رسوم التسجيل، نتساءل: هل مشكل التعليم يكمن في التمويل؟ ميزانية التعليم وصلت إلى 59.2 مليار درهم سنة 2018، بزيادة 5 ملايير درهم مقارنة بسنة 2017. المغرب ينفق على قطاع التعليم حوالي 6,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، حسب تصريحات وزير المالية السابق محمد بوسعيد، وهي نسبة تتجاوز المعدل العالمي المحدد في 4,8 في المائة. فهل تصرف هذه الميزانية بطرق عقلانية تحقق الأهداف المرسومة؟ الوزير نفسه أقر بأن «المشكل مطروح على مستوى التدبير والمردودية». وكاتب الدولة في التعليم العالي يقر أيضا، في تصريحاته للجريدة، بأن «المشكل الأساسي يكمن في حكامة تدبير الموارد المالية والبشرية». فهل جرى حل مشكل التدبير أولا حتى نتحدث عن الرسوم؟ منذ سنوات ونحن نسمع عن الاختلالات في تدبير الموارد المالية لقطاع التعليم، وعن البرنامج الاستعجالي، وصفقات الأكاديميات، وعن الفوضى في تدبير الموارد البشرية، فما الذي تحقق لمعالجة هذه الاختلالات؟ وكم من الملفات أحيلت على القضاء؟ وما هي نتائج معالجة مشاكل التدبير؟ كثير من الأسر من الطبقة المتوسطة مستعدة لتسجيل أبنائها في المدارس العمومية، والهرب من جشع التعليم الخصوصي، وأداء رسوم التسجيل إذا أعيد الاعتبار إلى المدارس العمومية، ووفرت شروط مناسبة للتمدرس فيها، وأن تكون مدارس آمنة ومنظمة، ويعاد فيها الاعتبار إلى الأستاذ، وألا يسمح فيها للتلميذ بمغادرة المدرسة إلا عند انتهاء وقت الدراسة. مدارس أقل اكتظاظا وأكثر جودة، وإذا غاب الأستاذ يعوَّض فورا، وليس بإخراج التلاميذ من المدرسة بانتظار الحصة الموالية، كما هو حال مدارسنا اليوم. كما يمكن اعتماد التوقيت المستمر مراعاة لوضع الآباء الموظفين. لنحقق هذه الأهداف، أولا، بجعل المدارس العمومية في مستوى التعليم الخصوصي الجاد، وحينها مرحبا برسوم التسجيل.