“من أكثر أوهام السياسيين أن يعتقدوا أن هناك من يهتم بهم” هيل صُدِمت وأنا أتتبع ردود فعل الحزب الأول، من عملية انتخاب رئيس مجلس المستشارين. فإذا كان من الطبيعي أن يتنافس الأطراف حول هذا الموقع، فإنه من غير الطبيعي أن يتجاوز التنافس مداه، ليدخل القادة السياسيون في لغة الشتيمة، ما يجعلني أطرح سؤالا يؤرقني بشدة: هل اختلاف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة بلغ أوجهه وأصبح مسألة حقد وكراهية وليس اختلافا وإيديولوجيا؟ ففي الوقت الذي كنت أدافع فيه عن حق جميع الأحزاب السياسية في الوجود، وفي الرأي، وفي إدارة الشأن العام، وحق الأحزاب الأخرى في المعارضة والنقد، أقرأ كل صباح كلمات وتصريحات عن قادة الحزب الأول، تطرح عليّ سؤالا حول حدود لغة السياسة، نظرا إلى هيمنة لغة الشتائم والإهانات، بل إننا أمسينا نسمع خطابين مزدوجين، بل حتى ممارستين متناقضتين، فحزب العدالة والتنمية الذي أتعب نفسه في البحث عن تحالف ضد ترشيح الأصالة والمعاصرة، فشل في تحقيق ذلك، وكان الجميع يعلم أنه سيدعم حزبا آخر في المعارضة، وهذا الأخير يعتبر ذلك مكسبا تم تحقيقه أصلا، غير أنه حين سحب هذا الحزب المعارض ترشيحه لأسباب نجهلها رغم قراءاتنا المتكررة لبيانه المتسم بكثير من الغموض، لم يعلن بعد ذلك دعمه لمرشح حزب العدالة والتنمية كنوع من رد الجميل السياسي. لذلك، اتجه حزب العدالة والتنمية مرة أخرى، ليس لبناء موقف موحد من الأغلبية، ولكن فقط، لبناء تحالف ضد الأصالة والمعاصرة، ومهما كان الثمن، وحينما رفضت أحزاب الأغلبية ذلك، سمعنا من هذا الحزب مبررات لم نسمعها خلال انتخابات 2015، حينما صوت على حزب الاستقلال في انتخابات رئاسة مجلس المستشارين نفسها، والذي كان “مرشح حزب الاستقلال” آنذاك في موقع خارج الأغلبية، أي في المعارضة، ورغم ذلك دعمه حزب العدالة والتنمية، بل لم نسمع التبريرات ذاتها حين انتخاب رئيس مجلس النواب الحالي، بحيث رغم أن العدالة والتنمية كان هو الحزب الأول المكلف بتشكيل الحكومة، لم يقدم مرشحا منافسا آنذاك، ولم يعارض ما يصفه بالمرشح الوحيد “المفروض”، ولم يحاول حتى جمع أحزاب الأغلبية القائمة آنذاك، أو حتى التي كان من المحتمل أن تكون أغلبية جديدة؟ أما نحن، فقد ارتأينا آنذاك أن نصوت علانية على الرئيس الحالي، سواء أكان مآل حزبه المعارضة، وبالتالي ستكون الرئاسة مكسبا لنا، أو كان سيصبح من الأغلبية، فلا يهم، مادام أن المرشح كان آنذاك من الأحزاب القريبة منا، فلماذا إذن، كل هذه العاصفة التي لا تتجاوز حدود الفنجان؟ في الحقيقة، سعينا مرارا إلى فتح قنوات الحوار مع جميع الأطراف، إيمانا منا بأن التحدي الحقيقي الذي يواجه الجميع، هو بناء التجربة الديمقراطية بالالتفاف حول الثوابت الدستورية كلها، فلماذا تحول كل هذا الخلاف إلى نوع من العدوانية السياسية؟ إن على الجميع أن يعرف أن لا أحد يمكنه أن يلغي حزبا موجودا في الساحة، كما أن لا أحد يمكنه أن يبني مجده السياسي على خراب حزب آخر، أما الأرقام الانتخابية، فلا يمكنها مطلقا أن تمنح لأي طرف حق الهيمنة المطلقة على الواجهة السياسية، وأنه بعد رفض أحزاب الأغلبية والنقابات والباطرونا التصويت على مرشح العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، تأكد أن ما يجعل الأحزاب التي تصنع الأغلبية مع العدالة والتنمية تستمر في هذا التحالف، ليس سوى الخوف على الوطن والرغبة في الدفع بالأمور إلى الأمام. أعتقد أنه بعد سبع سنوات من العمل السياسي في ظل الدستور الجديد، وسبع سنوات من قيادة العدالة والتنمية للحكومة، وفي ظل ما تعيشه بلادنا من أزمة اقتصادية وسياسية، من العيب أن يظل الكلام نفسه، والتعامل نفسه، والتجاذب السياسي نفسه، بل العدوانية السياسية نفسها، فهل يعني هذا أن تجربتنا السياسية لم تنضج بعد لدرجة خلق نوع من الاحترام المتبادل بين الفاعلين السياسيين؟ إن انتصار حزب الأصالة والمعاصرة في معركته بمجلس المستشارين، حقٌّ منحه له صندوق الاقتراع، فهل يحق سياسيا وأخلاقيا للحزب الأول الذي يتموقع في رئاسة الحكومة، أن يشتم الديمقراطية التي منحته ذلك الموقع فقط، لأن الأحزاب الأخرى لم تخضع له، ولم تنسق معه رغم أنه زعيمها حكوميا؟ وهذا طبيعي، خاصة عندما نتأمل اجتماعات الأغلبية الهشة التي لكثرة المناوشات تحولت إلى حلبة للملاكمة السياسية، أكثر منها قاعة لاجتماعات وزراء حكومة.