في قاعة السفراء امتلأت الكراسي وحتى المدرجات عن آخرها بمن حضروا باكرا جدا للإنصات إلى محادثة مع مارتن سكورسيزي المخرج الأمريكي الشهير.. الساعة الواحدة والنصف زولا، ما تزال أمامك نصف ساعة على انطلاق المحادثة، يمكنك أن تلج قصر المؤتمرات، لكن يمنع عليك منعا كليا ولوج قاعة السفراء، فقد تشكل جدار “لحمي” من حراس الأمن “الغلاظ” ووضعوا يدا في يد ونفخوا صدورهم.. أربعة عند كلي البابين المؤديين لقاعة السفراء، التي تنزل إليها عبر سلالم. تسألهم أن يسمحوا لك بالدخول فيرفضون.. الساعة تشير إلى الثانية إلا خمس دقائق والحدث مهم، وعليك كصحافي أن تصر وتنتظر لعل شيئا يتغير ويسمح المسؤولون بولوجك القاعة ومعك عشرات من زملائك الصحافيين من أهم المنابر الوطنية والدولية.. تطلب مرة أخرى أن يسمح لك بدخول القاعة، الساعة الثانية حان موعد تحدث معلم السينما الكبير “سكورسيزي” تعيد طلبك أن تدخل.. ليقولوا لك عد أدراجك فالقاعة ممتلئة عن آخرها لم يعد مسموحا دخول ولا فرد واحد لدواعي أمنية. وبينما أنت شاخص تتأمل ضياع مادة صحافية تعرف قيمتها، لا شك أن متتبعي الشأن السينمائي ينتظرونها بشغف.. يأتي من خلفك ممثل مغربي وإلى جانبه مخرج مغربي آخر، ولأنه وجه معروف يسمح له حراس الأمن بتخطي الحاجز الذي كونوه ! تصرخ غاضبا بأي حق تمنع أنت الصحافي وترحب بالممثل المعروف والمخرج ؟ ! انتفت أسباب الدواعي الأمنية “خوفا على سلامة من في القاعة” من الازدحام وما قد ينتج في إطاره، وحلت بدلها “الوجوهية” و”اللامهنية”. وهذا مشهد “سينمائي” مألوف في الواقع المغربي، يغضبك لكنه لا يصدمك مثلما يصدم صحافيا أجنبيا يكتفي بالمراقبة والصمت قبل أن يقرر المغادرة ويسلم على صديقته التي تتفحص المشهد في استغراب، وتقرر بدورها اللحاق به. تغضب وتجادل بعض أفراد الوكالة الموكل إليها التواصل مع الصحافيين وتيسير أمورهم، تسعى معهم إلى إيجاد حل، وهم يسعون. وتتفحص ساعتك كل لحظة لتجد في النهاية أن نصف ساعة مرت من المحادثة، إنها الثانية والنصف، فتأتيك المسؤولة الأولى عن التواصل مع الصحافيين، التي تلج القاعة لتعود وتتحدث بدورها عن استحالة ولوج الصحافيين المنتظرين “المنظرين” ! وتؤكد أنه لا يمكن فعل شيء فالمحادثة مفتوحة في وجه العموم ! هو كذلك إذن ترد أنت الصحافي في بهو قصر المؤتمرات كان حريا بالمنظمين وضع شاشات كبرى في البهو لتمكين أكبر عدد من المتابعة إذن، وتقول صحافية أخرى، ما بين جدية وسخرية من وضع “احترقت فيه أعصابنا” مادامت المحادثة للعموم كان أفضل لو عقدت في ساحة جامع الفنا”… الساعة الثانية وخمسة وأربعين دقيقة.. يبتعد أحد الصحافيين “ممثل منبر موقع هسبريس” ليجد مقعدا في بهو قصر المؤتمرات غير قريبا من “مجمع” الصحافيين، يتصفح هاتفه.. فقد عثر على بث مباشر ل”المحادثة مع سكورسيزي”، فتح حاسوبه وبدأ بتدوين ما تبقى من محادثة يفترض أن تنتهي بعد ربع ساعة. فكان منبره المنبر المغربي الوحيد الذي استطاع نقل بعض حديث المبدع “سكورسيزي” عن السينما في مهرجان السينما ! باقي الصحافيين، وحتى لا يضيع برنامج آخر ولجوا “قاعة الوزراء” لمتابعة رابع أفلام السباق الرسمي للمهرجان، عشية يوم الأحد ثاني دجنبر، فيلم حمل عنوان “الحمولة” من صربيا. وقد كان فيلما سيئا جدا انتظر كثيرون أن يحمل بعض الجيد على امتداد ساعة ونصف، ولم يحمل غير مزيد من التوتر في مهرجان يبحث فيه المتلقي عن “متعة سينمائية مفترضة” !