تبقى الجريمة الإرهابية التي شهدتها منطقة إمليل في 17 دجنبر أخطر حدث عاشه المغرب في 2018. الطريقة الداعشية البشعة المعتمدة، ونشر شريطين للجناة؛ الأول يتوعدون فيه المغرب، ويبايعون فيه زعيم داعش، والثاني لعملية القتل، كان هدفه إثارة الفزع والخوف، وادعاء أن داعش أصبح له موطئ قدم في المغرب. لا شك أن المقاربة الاستباقية التي انتهجتها المصالح الأمنية مكنت من تفكيك العديد من الخلايا على مدى السنوات الأخيرة، وجنبت البلاد الكثير من الجرائم، لكن يبدو أننا اليوم أمام تطور جديد، سواء من حيث أسلوب العملية الذي يحاكي أسلوب داعش في قطع الرؤوس، أو من حيث التطور الذي برز بعد اعتقال شخص أجنبي سويسري يحمل الجنسية الإسبانية في مراكش له علاقة بالخلية. إلى حد الآن، تبقى المعطيات حول هوية هذا الأجنبي وارتباطاته محدودة، لكن ما كشفه المكتب المركزي للأبحاث القضائية من معطيات يظهر أنه شخص لعب دورا ميدانيا خطيرا، فهو «متشبع بالفكر المتطرف والعنيف»، وتورط في «تلقين بعض الموقوفين آليات التواصل بواسطة التطبيقات الحديثة»، وتدريبهم على «الرماية»، فضلا عن انخراطه في عمليات «استقطاب مواطنين مغاربة وأفارقة من دول جنوب الصحراء بغرض تجنيدهم في مخططات إرهابية بالمغرب، تستهدف مصالح أجنبية وعناصر قوات الأمن بغرض الاستحواذ على أسلحتها الوظيفية». نحن، إذن، أمام تحول في معطيات عملية إمليل، من مجرد فعل تنظيم متطرف محدود ومعزول، إلى بوادر تأثير أجنبي يمكن أن تنكشف تفاصيله الدقيقة فيما بعد. يجب ألا ننسى أن تنظيم داعش سعى منذ سنوات إلى إيجاد موطئ قدم له في شمال إفريقيا، ونجح في أن تكون له بصمة في كل من الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، لكن المغرب بقي عصيا عليه، وفشل في خلق «فرع» له فيه، بسبب استقرار بلادنا، من جهة، وخبرة وكفاءة أجهزته الأمنية، من جهة ثانية، وحتى العملية الأخيرة في إمليل، رغم أنها اعتمدت أسلوب داعش، فإن هذا التنظيم المتطرف لم يعلن أنه يتبناها، خلافا لعمليات أخرى في أوربا، مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا، نفذها أشخاص، وسارع تنظيم داعش إلى تبنيها. لكن، مع ذلك، هذا الشخص يشكل لغزا، فهو سويسري يحمل الجنسية الإسبانية، وغير معروف لدى الأجهزة الإسبانية، كما أن السويسريين يسارعون إلى جمع المعلومات عنه، ومع ذلك، فقد لعب دورا في مساعدة خلية إمليل في استعمال وسائل تواصل حديثة، ليبقوا بعيدا عن رصد الأجهزة الأمنية، كما درب بعض الموقوفين على «الرماية»، بل إنه لعب دورا في عملية تجنيد مواطنين مغاربة وأفارقة للقيام بعمليات ضد مصالح دول أجنبية. إلى حد الآن ليس هناك حديث عن ارتباطات خارجية له، ولم يُعلم بعد منذ متى يقيم في المغرب، ومتى اعتنق الإسلام، وهل هو من نماذج الغربيين الذين دخلوا الإسلام وتبنوا الفكر السلفي الجهادي؟ إنه يشبه الفرنسي روبير أنطوان، الذي اعتقل بعد عمليات 16 ماي 2003، وأدين بالمؤبد، بعدما تبين لعبه دورا في العمليات الإرهابية في الدارالبيضاء. ستكشف التحقيقات، لا محالة، خيوط وارتباطات جديدة لفك لغز السويسري ودوره في جريمة إمليل.