يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير Michel Serres في حوار مع»Philosophie magazine» :، «عندما كنت طالبا شابا في دار المعلمين، اشتركت في جريدة لوموند-Le Monde ، وكنت أقرؤها كل يوم، ولم أطالع فيها إلا الأخبار السيئة! وفي نهاية ثلاثين سنة من هذه القراءة أعلن عن نهاية الثلاثين سنة المجيدة! يا للسخرية. وفي أثناء قراءتي للجريدة، كنت أعتقد أنني أعيش الثلاثين سنة الفظيعة أو شيئا من هذا القبيل…»، بعض من هذا المنطق وإن بشكل عكسي ينطبق على إصلاح التعليم بالمغرب، فبالرغم من المناظرات والمجالس والخطط التي حملت شعارات الإصلاح على مدى عقود، نجد أنفسنا باستمرار في سقوط حر عقدا بعد آخر، ويبدو أن القانون الإطار رقم 51.17 يمضي في اتجاه هذه الحلقة المفرغة، لا من حيث وضعه بعيدا عن أي حوار وطني، ولا من حيث مضمونه الذي يتسم بضعف صياغته القانونية مما حوله إلى مجرد إنشاء، أو من حيث مضمونه الذي يبدو بعيدا كل البعد عن قانون إطار يمكن أن يكون مرجعا لإصلاح التربية والتعليم في أفق 2030. قضية التربية والتعليم ليست قضية مزايدات أو تقاطب سياسي أو حزبي، بل هي قضية مصيرية تهم مستقبل بلادنا والأجيال المقبلة التي ستكون في مواجهة عالم متغير كليا عن العالم الذي نعيش فيه اليوم، كما أنه موضوع يجب أن يمثل لحظة توافق وطنية كبرى، لكن مشكلته تكمن في كون لحظات التوافق الكبرى تحدث في تاريخ الشعوب في محطات التحول المفصلية، وهي في قمة دينامياتها، وليس في لحظات السقوط والتيه والضبابية، كما يحدث اليوم في بلادنا، كما أن قانون إطار يهم التربية والتعليم لا يمكن أن يرى النور قبل الانتهاء من أمرين حاسمين. الأمر الأول، يتعلق بالانتهاء من الكتلة الدستورية، وذلك بإخراج كل من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، فلا يعقل أن يتحول قانون عادي مرجعا لقانونين تنظيميين. الأمر الثاني، يتعلق بالنموذج التنموي للبلاد، إذ لا يعقل وضع أهداف للعملية التعليمية في ظل ضبابية الاختيارات الاقتصادية النابعة في جزء كبير منها من انحراف مسار الإصلاح السياسي وهشاشة البناء الديمقراطي. مشروع القانون الإطار للتربية والتعليم يتضمن فرض رسوم-وهي كلمة لبِقة لتحويل التعليم من خدمة عمومية إلى خدمة مؤدى عنها- تدفعها الأسر الميسورة – التي لا تدرس أبناءها أصلا في المدارس العمومية، ناهيك عن صعوبة تعريف هذه الفئة-، و تغرق هيئة التدريس بمتعاقدين دون أي تكوين قبلي، وتمعن في إغلاق المراكز الجهوية للتكوين التي حولتها إلى مجرد فضاءات للندوات والخطب النظرية وبعض التكاوين السريعة، فإن معالم الكارثة التي تهدد البلاد جراء الاستهتار المخيف بقطاع حيوي وخطير مثل التعليم، أصبحت تظهر في الأفق. لقد بلغت النفقات العمومية في قطاع التربية الوطنية بالنسبة المئوية للناتج الداخلي الخام 6 % سنة 1987، ثم تراجعت إلى 5.2 % سنة 1998، وواصلت تراجعها إلى 5.15% سنة 2013، بينما المعدل الدولي، حسب اليونسكو، هو 13%. هكذا لا تنتبه الحكومة إلى المعدلات الدولية بالنسبة إلى الناتج الداخلي الخام، سوى عندما يتعلق الأمر بكتلة أجور الموظفين. علما أن عدد الموظفين في القطاع العام بالمغرب يقل بنحو 20% عن المتوسط الدولي، ومع ذلك، فإن الحكومة تلجأ إلى بدعة التعاقد بشعارات شعبوية ستظهر نتائجها الكارثية مستقبلا. أما بخصوص النفقات العمومية في قطاع التربية الوطنية بالنسبة إلى كل تلميذ بالنسبة المئوية، مقارنة بالناتج الداخلي الخام بالنسبة إلى الفرد، فنجد أنه في سنة 1987 بلغت النسبة 31.3%، ثم تراجعت سنة 1998 إلى 25.7%، وواصلت تراجعها سنة 2013 لتبلغ 20.4%، بينما المعدل الدولي سنتي 1987 و1998 كان يصل إلى 48%، وارتفع ليبلغ 78.5% سنة 2013. الأرقام لا تكذب ولا تخلق الأوهام والأساطير… استمرارا للأرقام المخيفة ذاتها، فتقارير اليونسكو تشير إلى أن نسبة التمدرس بالنسبة إلى الفئة العمرية 15-17 سنة؛ لم تتجاوز سنة 2013 نسبة 32.1%، بينما النسبة التي توصي بها اليونسكو لهذه الفئة العمرية هي نسبة 100%. ترى، ماذا سيفعل هؤلاء في زمن العلم والمعرفة؟ تبقى الأسر هي من يتحمل هروب الدولة من مسؤوليتها تجاه التعليم، لكن كما يقول المثل: «خُطافٌ واحد.. لا يصنع الربيع»، لكنه أيضا لا يمنع حدوث الكارثة.