لأميرة للا مريم تترأس المجلس الإداري للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    القمة الاجتماعية العالمية.. هلال يتباحث في جنيف مع المدراء العامين للمنظمات الدولية    أنخيل موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس التزاما سياسيا واستراتيجيا    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    "صدى لجنة القدس" تسلط الضوء على العملية الإنسانية الكبرى لوكالة بيت مال القدس لفائدة السكان الفلسطينيين في شهر رمضان    بيدرو روشا رئيسا للاتحاد الإسباني لكرة القدم    تعنت العسكر الجزائري يتسبب في عقوبات ثقيلة لنادي اتحاد العاصمة    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    الوداد يعلن تشكيلة مكتبه المديري    إغلاق السجن المحلي "سات فيلاج" بطنجة بصفة نهائية    الشركة الوطنية للطرق السيارة توصي بتنظيم التنقلات بمناسبة العطلة المدرسية    اتحاد العاصمة شدو الطريق من الجزائر للمغرب    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    توقيف مطلوب لبلجيكا بميناء طريفة قادما من طنجة    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    ارتسامات المؤتمرين حول المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    وزارة التعليم تشن حملة ضد "العلكة" في مدارس تيزنيت    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب على غزة إلى 34356 قتيلا    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية        تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب يحاكمون أوضاعهم: «حصلنا في هاد البلاد»!!
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 02 - 2019

الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، بعد يوم طويل في الفصل الدراسي، يتوجه محمد (22 عاما) بمعية صديقه إبراهيم إلى أحد معاهد تعلم اللغة الإنجليزية في وسط الدار البيضاء. محمد قرر لقاء صديقه إبراهيم بالقرب من المعهد قبل الصعود إلى الفصل الدراسي. وعلى عكس محمد، فإبراهيم منقطع عن الدراسة واقتحم عالم “البزنس” مبكرا، حيث يمتلك متجرا مخصصا لملابس النساء. إقباله على تعلم الإنجليزية نابع من رغبته في توسيع تجارته عبر التواصل مع الزبناء الأجانب، خاصة الصينيين .
حلم الهجرة
نبرة حديث محمد توحي بأنه مجبر على استكمال دراسته الجامعية، إذ يدرس الاقتصاد في سنته الثانية، ولا يملك أدنى رغبة في مواصلة العيش في المغرب. يقول بهذا الخصوص: “حاليا، أفكر في الهجرة إلى كندا، لذا أجدني مجبرا على تعلم الإنجليزية من أجل تسهيل مأمورية الهجرة”، ويضيف: “أنا أعرف أنني سأفني أيام شبابي أدرس هنا وفي الجري وراء الشواهد الدراسية دون فائدة، سأجدني في الأخير على غرار من سبقوني أنتقل من شركة إلى أخرى بحثا عن عمل بأجر لا يكفيني حتى لقضاء أغراضي الأساسية”.
ما قاله محمد ليس سوى انعكاس لطموحات فئات واسعة من الشباب المغربي الحالم بالهجرة بأي ثمن، تعكسها الأرقام الصادرة في هذا الصدد. من خلال تبادلنا أطراف الحديث مع محمد، تبدّى لنا في نبرته تشاؤم كبير فيما يخص الأفق الذي يبدو مظلما بالنسبة إليه، لا يخفف من قتامته سوى التمسك بخيط أمل الهجرة صوب بلاد الأحلام “الإلدورادو” الكندي. أثناء حديثه معنا كرر غير ما مرة كلمة كندا على لسانه، كما يعمد في كل مرة إلى المقارنة بينهم وبيننا “تماك أصاحبي تقدر تدير مستقبلك، وحتى إلى ضربتي تمارة تكون نتيجة”، يقول محمد، مخاطبا صديقه إبراهيم، الذي يبدو أنه يخالفه الرأي.
فإبراهيم بخلاف صديقه محمد لم يحظ بفرصة استكمال دراسته الجامعية، واختار في المقابل مواصلة المسار الذي خطه له والده وهو التجارة، عاملا بمقولة “حرفة بوك ليغلبوك”. “أنا خدام لراسي وبخير، ثم إنني لست مضطرا للاشتغال عند فلان أو علان بحال العبيد”، يقول إبراهيم، ابن تارودانت (ذو ال24 ربيعا)، والذي استقر وعائلته منذ زمن في الدار البيضاء، نظرا لما تقدمه العاصمة الاقتصادية من آفاق لممتهني التجارة.
كل همّ إبراهيم مركز حول الذهاب بعيدا في تجارته، والانتهاء بالعودة إلى مسقط الرأس، “مبغيت لا مريكان لا كندا، بغيت نمشي البلاد نتصنط لعظامي”، يقول ممازحا صديقه.
لا تحدثني عن السياسة والساسة
خلال تجاذبنا أطراف الحديث عرجنا للحديث قليلا عن السياسة وعوالمها، وبمجرد ما سألناهما عن رأيهما في السياسيين المغاربة وفي الأحزاب، تبدى لنا جليا أن الشابين غير مكترثين البتة بالسياسة وبممثليها وبعوالمها. “هادوك غي شفارة تيخدمو مصالحهم”، يقول محمد، واصفا السياسيين بنبرة توحي باللامبالاة وعدم الاكتراث، بما يعتمل في مطبخ السياسة المغربي”. شخصيا لم يعد يهمني ما يقوم به هؤلاء السياسيون، فهم لا يجيدون سوى الثرثرة والوعود الكاذبة، ولا نراهم إلا في المناسبات الانتخابية، ثم يختفون بعدها”، يردف ابن البيضاء.
وأثناء الحديث تدخل إبراهيم ليدلي بدلوه في الموضوع، معربا عن انزعاجه كتاجر من القرار الأخير المتعلق بمدونة الضرائب على التجار، فبهذا القرار يريدون تضييق الخناق علينا “بقينا ليهم غي حنا”، يقول إبراهيم بنبرة لا تخلو من انزعاج.
ونحن بمعية الشابين انضمت إلينا سارة وأميمة، طالبتان جامعيتان في سنتهما الأولى، تخصص اقتصاد. الشابتان تدرسان بدورهما في المعهد نفسه.
في الوقت الذي سمعت فيه سارة موضوع السياسة، طلبت من زملائها عدم تضييع وقتهما في الحديث عن “هذا الموضوع العقيم” كما وصفته، فهذه الطالبة 19 عاما لا تهمها السياسة ولا السياسيون، كل ما تريده هو أن تكمل دراستها وتبحث عن فرصة شغل للنجاة من براثن البطالة التي تنتظرها في بلدها كما تقول، بالبحث عن فرصة خارج الديار من أجل مواصلة دراسة الماجستير.
أرق الحصول على عمل
في دردشة مع ابنة مدينة البيضاء أبرزت أنها تمارس رياضة السباحة كهواية موازية تساعدها على التخلص من ضغوط الدراسة والحياة، ” كنت أتمنى لو أني تمكنت فعلا من أن أصبح سباحة محترفة، لكن مع الأسف لم يعد بإمكاني ذلك، لقد فات الأوان”، تقول سارة، متابعة: “في أوروبا يشجعون التلاميذ والطلاب في المدارس على ممارسة هوايتهم والكثير منهم يصبحون فيما بعد ناجحين في المجالات التي اختاروها، أما نحن “فمصاب غا يقريوك”، تردف سارة بنبرة ساخرة.
زميلتها أميمة 20 عاما، تقف هادئة بجانبها بشعرها المموج الأسود الفاقع اللون، مكتفية بابتسامة ترسمها على شفتيها بين الفينة والأخرى. ماذا عنك أنت يا أميمة؟ سألنا الفتاة، “كل ما يؤرقني حاليا هو مصيري بعد انتهاء الدراسة الجامعية، أفكر من الآن في المصير الذي سألقاه وخوفي كل الخوف أن ألقى المصير ذاته، الذي يلاقيه الكثير من زملائي الطلبة الذين لازالوا يحملون سيرهم الذاتية في حقائبهم وهو يخيطون المؤسسات جيئة وذهابا دون فائدة”، تجيب الشابة العشرينية.
دقت ساعة بداية فصل اللغة الإنجليزية وودعنا الشباب الأربعة، الذين التحقوا بفصلهم، واجتمعنا في أحد مقاهي وسط البيضاء بفاطمة وخالد وإكرام، ثلاثي قرر الانخراط في العمل الجمعوي الذي يستهويهم.
البطالة هي الأفق
درست فاطمة علم النفس وحصلت على شهادة الإجازة، ولأنها لم تجد فرصة سانحة للعمل بعد تخرجها، قررت تكريس هذه السنة للعمل الجمعوي كمحطة تدريبية، في أفق استكمال دراستها في السنة المقبلة في الماجستير. إذ تتردد بشكل مستمر على إحدى عيادات الطب النفسي من أجل الاحتكاك عن قرب بالمجال، كما تقول.
ترغب ابنة مدينة تاونات خلال السنة المقبلة تجريب حظها في طلب منحة للدراسة في ألمانيا، فالتخصص الذي اختارته لا يتماشى والإمكانات المتاحة في المغرب، “هنالك تخصصات وبحوث نادرة في المجال أغلبها مراجع أجنبية، لذا سيكون من الأفضل لي أن أنفتح على تخصصات أجنبية في المجال”، تقول الفتاة، مردفة “اطلعت على بعض التخصصات في ألمانيا ووجدت الكثير منها، لكنها مع الأسف تخصصات تغيب هنا في المغرب”.
أثناء الحديث مع فاطمة تبين أنها ممن تمكن منهم اليأس بشأن الأفق في المغرب، “خلال الربيع العربي الذي وصلتنا بعض من رياحه، خالجنا الأمل بأن يصبح هنالك واقع جديد في بلادنا، لكن ما حصل هو العكس تماما”، تقول الشابة العشرينية، مضيفة: “أن الأحزاب التي كنا نعول علينا اكتشفنا أنها باعت لنا الوهم، وكل ما وقع مجرد جعجعة بلا طحين”.
الشباب، أيضا، مسؤول
“الشعب، أيضا، مسؤول عما يحصل لنا”، يقول خالد مقاطعا صديقته فاطمة، ف”الأحزاب إن كانت لا تصلح لشيء، فلأننا نحن من منحناهم سلطة تمثيلنا والتحكم في مصيرنا”.
بالنسبة إلى خالد، (25 سنة)، مهندس إعلاميات في إحدى المؤسسات الخاصة، للشعب وللشباب، كذلك، نصيب من المسؤولية في واقع الإحباط الذي يراه منتشرا وسط أقرانه.
وحينما سألناه عن السبب، قال خالد “إن هذا الشعب يثق بكل ما يقدم له من وعود، كما أنه لا يبذل جهدا في معرفة واقعه والمطالبة بحقوقه، فهو شعب انبرى للاهتمام بتوافه الأمور التي لا تغني ولا تسمن من جوع”.
“الشعب، أيضا، ضحية لسياسات كثيرة يا صديقي”، تقاطعه (إكرام 24 عاما)، درست بدورها المعلوميات دون أن تتمكن لحدود الساعة من إيجاد فرصة عمل تنتشلها من براثن البطالة التي يبدو أنها تؤرقها.
بالنسبة إلى هذه الشابة، ما وصل إليه شباب اليوم، يعود إلى فشل منظومة التعليم في بلادنا، “فجامعاتنا عوض أن تفرخ لنا كوادر وأطرا، تفرخ لنا في المقابل أفواجا من العاطلين”، تقول إكرام ، متابعة “تجد طلبة يفنون زهرة شبابهم في الدراسة ويحصلون على الدكتوراه بعدما شاب شعر رأسهم، بيد أنهم يجدون أنفسهم في الأخير بين أحضان البطالة، وإذا ما اشتغلوا يحصلون على أجور زهيدة لا تعكس مستواهم الدراسي وطبيعة تكوينهم”.
نعم، هنالك أمل
مرت ثلاث سنوات على انضمام فاتحة إلى العمل في القطاع الخاص بإحدى الشركات، درست مهنة الصيدلة بعدما لم تخول لها نقطة البكالوريا تحقيق حلمها وولوج كلية الطب، “مكتابش”، تقول فاتحة (27 سنة)، مردفة “أنا سعيدة جدا بعمل اليوم، وأعتقد أنني محظوظة في هذا الجانب”.
بالنسبة إلى فاتحة، لا تستهويها أبدا فكرة الهجرة، وتعتبر أن المغرب بالرغم من المشكلات التي تعتريه، فهو يبقى أرحم من العبودية التي يتعرض لها العديد من العمال في البلدان الأجنبية، بحسب وصفها.
“لا فرق بين هنا وهنالك فالأمر سيان، أوروبا ليست جنة والعديد ممن يشتغلون هنالك يبذولون جهدا مضاعفا من أجل تلبية المتطلبات اليومية للحياة”، تقول فاتحة، مردفة “أعرف “الكثير ممن تركوا مهنهم هنا وهاجروا، لكنهم ندموا بعد ذلك”.
بالنسبة إلى فاتحة على الشباب من أقرانها أن يتحملوا مسؤوليتهم في البحث عن إثبات ذواتهم والسعي إلى تحقيق النجاح في مسارهم الدراسي حتى يتسنى لهم الحصول على فرص الشغل، “لا يمكن للإنسان أن يبقى مكتوف الأيدي، مكتفيا بالشكوى والبكاء، “كاملين تنعرفو نبكيو ونشكيو، وإلى جات هاكا مغنديرو والوا”، تقول فاتحة بابتسامة عريضة على محياها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.