تمر العلاقات المغربية مع كبرى دول الخليج العربي بمرحلة زلزال متوسط الشدة. والمعطيات الآتية من وزارة الخارجية المغربية، على قلتها، تفيد بأن الرباط قررت، بالفعل، إبلاغ رسالة غضب واحتجاج، لكنها كانت تنوي تصريف ذلك عبر القنوات الدبلوماسية الناعمة ودون كثير ضجيج. وإذا كانت وكالة «أسوشيتد بريس» قد ربطت بين الغضب المغربي وبين حرب اليمن، فإن الأسباب الحقيقية متعددة، وما حرب اليمن إلا أحد تلك الأسباب. دعونا نسجل، أولا، أن خيار إطلاق «الثورات المضادة» لمحو آثار الربيع العربي كان أول واجهات الخلاف. لكن هذا الاختلاف في التقدير بين المغرب وحليفيه الخليجيين حظي في بداياته بقدر كبير من التفهم، حيث كان الحوار بين الطرفين يتأرجح بين أخذ ورد. في هذا السياق، جاءت مشاركة المغرب في التحالف العربي الذي قادته العربية السعودية ضد حوثيي اليمن، في ما سمي ب«عاصفة الحزم». المغرب، وحسب المعطيات السعودية، وضع ستا من طائراته المقاتلة تحت تصرف الرياض، باعتبار أن الأمن القومي والاستراتيجي لهذه الأخيرة بات مهددا بأسلحة الميليشيا المدعومة من لدن إيران. أسابيع قليلة بعد انطلاق العمليات الحربية في اليمن، فقد المغرب أحد طياريه بعد إسقاط إحدى مقاتلات «إف16» المغربية المشاركة في الحرب. هنا بدأ الشرخ يتسع بين الرباطوالرياض، حيث قدّمت هذه الأخيرة تفسيرا «غير ودي» لهذه الخسارة البشرية التي تكبدها المغرب، بنسبتها إلى خطأ «تقني أو بشري». بل إن المعطيات التي تتردد في الكواليس تتضمن روايات مثيرة حول الصعوبات التي واجهها المغرب في استرجاع جثمان طياره، وهو ما أدخل الرباط في مرحلة حذر ومراجعة لعلاقاتها بالخليج العربي. كان السياق الإقليمي والدولي حينها يتسم بهيمنة أجندة قاعدتها الأساس تشكيل تكتل عسكري يضم الدول الإسلامية السنية، باعتبارها المعني الأول بظاهرة الإرهاب. حضرت شخصيا القمة الخليجية التي انعقدت بقصر الدرعية بالرياض أواخر 2015، وكانت دعوة وفد إعلامي مغربي مؤشرا على استمرار حضور المغرب في المخططات التي يجري تحضيرها، بما فيها تشكيل «حلف نيتو سني» يضم جيوش دول مثل باكستان وتركيا والمغرب ومصر… بما يحقق الأمن الاستراتيجي للمنطقة العربية، وفي قلبها منطقة الخليج الحيوية. وإذا كان إعلان «أسوشيتد بريس» انسحاب المغرب من التحالف العربي في اليمن قد فاجأ البعض، فإن الخطوة، في حقيقة الأمر، ليست جديدة، وتعود إلى قرابة ثلاث سنوات. المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر، كشف، في إفادة حصلت عليها «أخبار اليوم»، أن الرباط اتخذت قرار الانسحاب في يناير 2016، وقد نشرنا في نونبر الماضي روايته الكاملة لقصة استقالته من تدبير ملف اليمن في أبريل 2015، وكيف أن الرياض وأبوظبي عرقلا جهوده لإنهاء الحرب، وحولا مسارها من دفع تهديد استراتيجي كان يمثله سلاح الحوثيين، إلى حرب شاملة تمنع انبثاق ديمقراطية متقدمة في شبه الجزيرة العربية. بنعمر، الذي التحق بالبعثة المغربية لدى الأممالمتحدة، يقول، في إفادته المقدمة لمحكمة أمريكية، ردا على دعوى جامع التبرعات الجمهوري إليوت برويدي، إن اتصالاته بالأطراف اليمنية تواصلت بعد استقالته، «خصوصا بعدما قرر المغرب الانسحاب مما يعرف بتحالف إعادة الشرعية في اليمن في يناير 2016». ظل التوتر بين المغرب وأصدقائه الخليجيين صامتا منذ ذلك الحين نظرا إلى وعي الطرفين بأهمية الاحتفاظ بحد أدنى من التوافق، لكن الملك المغربي، الذي هجر منذ سنوات طويلة القمم والمؤتمرات العربية، ذهب إلى الرياض، في أبريل 2016، ليحضر القمة الخليجية المغربية، التي انعقدت تزامنا مع قمة خليجية أمريكية حضرها الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. هذه المشاركة تعني أن المغرب احتفظ باستعداده الكامل للمشاركة في الترتيبات الإقليمية الرامية إلى حماية المنطقة العربية، لكن، ومن قلب الرياض، أطلق الملك عبارته الشهيرة: «المغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأي بلد». هذا الخيار سيتجسد بوضوح في موقف الحياد الإيجابي الذي اتخذه المغرب من الأزمة بين قطر وجيرانها الخليجيين. كانت شكوى المغرب واضحة في تلك القمة من استهداف وحدته الترابية وسيادته على الصحراء، وعبارات التصعيد الملكي كانت في أعين المراقبين موجهة إلى واشنطن، التي كان العرب في أمس الحاجة إلى مخاطبتها من داخل تكتل يحقق التوازن المطلوب معها. لكن ما جرى في الشهور اللاحقة، بصعود ولي العهد محمد بن سلمان وإمساكه بزمام الحكم، هو أن المغرب شعر بخذلان حلفائه الخليجيين، وتحويلهم إياه إلى ورقة ثانوية في تعاطيهم مع واشنطن، خاصة بعد مجيء الرئيس دونالد ترامب. وفي مقابل تضرر الموقف المغربي إزاء صناع القرار الأمريكي، وجد المغرب نفسه مطالبا بتنفيذ الإملاءات الخاصة بالترتيبات الإقليمية الكبرى، بما فيها ما يرتبط ب«صفقة القرن»، وهو ما رفضه بهدوء وصمت يبدو أن عقدهما قد انفرط اليوم، عندما أصبح هناك من يفكر في إخضاع الموقف المغربي بلعب ورقة وحدته الترابية. إذا كان هناك في صحارى الخليج العربي من اعتقد أن نكء جرح الصحراء المغربية يصلح لإبلاغ الرسائل، فإن الأزمة التي تطل برأسها قد تكون فرصة سانحة لإعادة ترتيب العلاقات بما يحمل الحكام الجدد في الرياض على فهم أن التعامل مع المغرب لا يمكن أن يكون دون مراعاة مصالحه، والطبيعة الخاصة للدولة المغربية، التي تجرّ خلفها تاريخا يمنعها من قبول الأدوار الصغيرة. 6