تعود قضية اللغة إلى الواجهة من خلال أنشطة معرض الكتاب الموازية، حيث استضافت قاعة ابن ميمون الباحثين محمد الفران وأحمد الشرفي وأحمد بريسول للحديث عن راهن التعدد اللغوي في المغرب. إذ اعتبر بريسول، مسير الجلسة، أن التعددية اللغوية تقصي اللغة التي من المفترض أن توكل لها مهمة تحقيق النهضة الثقافية والتنمية الاقتصادية. كما أكد أنه لا ينبغي أن يتم التأكيد على التعدد اللغوي على حساب اللغة الوطنية والألسن المحلية، باعتبارها محرك النهضة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا في النهاية إلى أن الأصل في اللغة الواحدة هو التعدد، بوصفه الخاصية التي تضمن استمراريتها. ولفت محمد الفران، مدير معهد التعريب سابقا والمدير الحالي للمكتبة الوطنية، الانتباه إلى المغالطات الرائجة في مجال السياسات اللغوية في المغرب. إذ أشار على سبيل المثال إلى أن حركة التعريب أريد لها أن تتكبد حمولة أكثر مما تحتمل، منبها إلى أن الواقع في المغرب يختلف عن الوقائع في العالم العربي. في هذا السياق، قال إنه كان هناك تعدد لغوي واضح في مغرب الستينيات، ولم تكن هناك أحادية لغوية، كما يعتقد البعض اليوم، حيث اعتبر أن العربية والفرنسية كانتا تستعملان في المدرسة والإعلام والمؤسسات الرسمية، إلخ. كما أن النخبة كانت، حسب قوله، تعتمد العربية والفرنسية في خطاباتها المختلفة، مؤكدا من جديد أن الوضع اللغوي لم يكن أحاديا منذ البداية. وفي خضم استعراضه لمهمة معهد التعريب في عمله على نسج علاقة بين العربية والفرنسية من خلال إيجاد المصطلحات، اعتبر الفران أن الحديث عن التعدد اللغوي ليس وليد اليوم، وليس نتاج سياق دستور سنة 2011. لكنه أشار إلى أن الوضع اللغوي تغير من التعايش الحاصل بين لغتين، رغم عدم تكافؤهما، إلى فسيفساء لغوي. كما أكد أن التحديات المطروحة على العربية اليوم، تختلف اختلافا شديدا عما كان عليه الأمر من قبل، موضحا أن الهم في السابق كان يتمثل في أن تملأ العربية ثغرات القطاعات الحكومية في مجال المصطلحات خصوصا. كما لفت الأنظار إلى التقابل الحاصل بين العربية والفرنسية، على اعتبار أن الأولى تمثل التراث والتقليد والماضي، بينما تحيل الثانية على الحداثة والمعاصرة والمستقبل. واعتبر أن هناك تذبذبا في السياسة اللغوية، خاصة في مجال التعليم، الذي بات يفرض الفرنسية لغة المواد العلمية والعربية المواد الأدبية، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك سياسة واضحة. ذلك أن الفرنسية ارتبطت، حسب رأي الفران، بالمشاريع السياسية والاقتصادية التي تحملها بعض النخب، والعربية بمشاريع الهوية والقيم التي تدافع عنها نخب أخرى. وخلص المتدخل إلى أن هذا الأمر يساعد على فهم الإيديولوجية التي تحرك هذا الطرف أو ذاك، مذكرا أن الدستور يميز بين لغات الهوية ولغات الانفتاح ولغات التمثلات (الدوارج). من جانبه، قال الباحث أحمد الشارفي إن التعدد اللغوي مفهوم شامل يحكمه القانون الطبيعي، لكنه اعتبر أن التعدد اللغوي المطروح على المغاربة يخص اللغات المعيار؛ أي لغات الكتابة والقراءة والتفكير. في هذا الصدد، أكد أن التعدد في اللغات يدخل فيما يسمى ب”التخطيط اللغوي” الذي يسهم في تطوير وظائف الدولة والمجتمع. غير أنه اعتبر أن هذا التخطيط يقع اليوم، خارج العلم والمعرفة الدقيقة، ويمثل قولا في الحاضر والمستقبل، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بالإرادة الجماعية وبالإيديولوجية بمعناها الإيجابي. من جهة ثانية، أوضح الشارفي أنه ليس هناك يقين فيما يتعلق بالتخطيط اللغوي، ونبه إلى أن هناك عنصرين يمثلان قطب الرحى في الصراع الدائر حاليا: يتصل الأول منهما بطبيعة اللغات التي يمكن أن تفيد المغاربة مستقبلا، مشيرا إلى الجدل الدائر حاليا حول اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأيضا رأي المغاربة جميعهم حول الفائدة من اختيار هذه اللغة أو تلك. أما العنصر الثاني، فيكمن، حسب قوله، في اختيار اللغة التي تعبر أكثر عن الهوية المغربية. لكنه ألح على ضرورة التمييز بين الواقع اللغوي والخطاب حول هذا الواقع، ليخلص إلى أن الانتقال داخل اللغتين العربية والأمازيغية معكوس، على اعتبار أن الانتقال في الأمازيغية يتم من التعدد إلى الوحدة، بينما في العربية من الوحدة إلى التعدد، مستشهدا بمسألة الكتابة الآن بالدارجة (الزجل، المسرح، الإعلام، الإشهار، إلخ.