يقوم ملك إسبانيا، فيليبي السادس، رفقة عقيلته، بزيارة رسمية للمغرب، هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى العرش سنة 2014. الزيارة جاءت ب«دعوة كريمة» من الملك محمد السادس، حسب بلاغ الديوان الملكي، بعدما تأجلت أكثر من مرة لأسباب غير معروفة. الاستقبال الملكي في الرباط كان لائقا بالضيف الكبير، والاحتفاء في البلدين بالزيارة ينم عن رغبة متبادلة في تعزيز التعاون الثنائي، ودفع العلاقات بينهما إلى مداها المأمول، أي بناء شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. وهو الهدف الذي لن يتحقق ما لم يعالج البلدان بالحوار الملفات الجوهرية بينهما، تلك التي عكرت علاقاتهما في الماضي، وكادت تقحمهما في حرب، كما حصل سنة 2002. لقد حقق البلدان إنجازات مشتركة منذ أن تجاوزا الخلاف حول جزيرة «ليلى»، فابتداء من 2004، السنة التي وصل فيها الحزب الاشتراكي إلى السلطة، استطاعا بناء تنسيق مهم في مجال الأمن، لمواجهة تهديدات متعددة (الإرهاب، الهجرة غير الشرعية، التهريب، المخدرات…)، ويبدو أنهما حقّقا نتائج مرضية دفعت إسبانيا إلى توشيح المسؤول الأمني الأول في المغرب، المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، سنة 2015، تعبيرا عن رضاها عن مستوى التنسيق الأمني بين البلدين. الملف الثاني الذي حقّق نتائج مرضية نسبيا هو الاقتصاد. فابتداء من سنة 2012، أصبحت إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب، برقم معاملات سنوي يفوق 17 مليار يورو، علما أن 41,4 من مجمل الصادرات المغربية نحو الاتحاد الأوروبي توجه نحو إسبانيا. وفي المقابل، صدرت إسبانيا إلى المغرب ما تزيد قيمته على 8 آلاف مليون يورو في عام 2017، وحققت من وراء ذلك فائضا يتعدى 1700 مليون يورو. ويحتضن المغرب 800 مقاولة إسبانية، صغيرة ومتوسطة، تنشط في مجالات مختلفة. ويبدو أن هذا التقدم في المجال الأمني والاقتصادي كان له انعكاس سياسي، إذ أصبحت إسبانيا أكثر تفهما لقضية الوحدة الترابية للمغرب، وأعلنت صراحة دعمها مبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، مثلما أعلن المغرب دعمه الوحدة الترابية لإسبانيا بشأن القضية الكتالانية. لكن كل هذه النتائج المحققة تبدو غير كافية، ففي الجانب الأمني لايزال منطق التنسيق هو الغالب، ولم ترتق العلاقات بين البلدين إلى مستوى التعاون الشامل بعد، لأن إسبانيا لم تستطع التخلص من تصور أمني كلاسيكي ينظر إلى المغرب بوصفه تهديدا، وتميل في أحسن الأحوال إلى استعماله جبهة أمامية ضد التهديدات الآتية من الجنوب، بدل النظر إليه باعتباره شريكا كاملا يواجه التهديدات نفسها. وفي الجانب الاقتصادي، يبدو التعاون محدودا جدا، فأغلب المقاولات الإسبانية صغيرة ومتوسطة، في غياب الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، لذلك، تعد الاستثمارات الإسبانية محدودة للغاية، ولا تتعدى 8 في المائة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في المغرب، في الوقت الذي يبذل هذا الأخير مجهودا كبيرا لاستقطاب استثمارات من الصين وروسيا وأمريكا وتركيا والخليج، ومافتئ يقترح نفسه منصة فعالة للتوجه نحو إفريقيا جنوب الصحراء. الجانب الإنساني يجب إيلاؤه الأهمية التي يستحقها، فإسبانيا تحتضن نحو 700 ألف مهاجر مغربي، لكن، دون وجود مؤسساتي مهم على غرار دول أوروبية أخرى، وهذا التهميش لا يمكن ردّه إلى المغاربة، بل إلى البيئة السياسية والثقافية الإسبانية التي مازالت تنظر إلى المغربي بوصفه عدوا قديما، وهو تصور تعززه مواقف أحزاب ومنظمات مدنية ورأي عام ضاغط. وتبقى أهم المعضلات في العلاقات الإسبانية المغربية، التي تحتاج إلى شجاعة وجرأة لحلها بشكل جذري ومقبول، تلك التي تتعلق بالوحدة الترابية والحدود الإقليمية، البرية والبحرية، للبلدين. على إسبانيا أن تدرك أن كسب ودّ المغرب والمغاربة يمر أولا عبر تسوية عادلة لوحدته الترابية، خصوصا أنها كانت السبب الرئيس لاندلاع نزاع الصحراء، وإذا كانت تزعم إمكانية لعبها دور «صوت المغرب في الاتحاد الأوروبي»، فإن هذا لا يكفي أمام مشكلتي السيادة والحدود، وفي ظل وجود قوى أخرى قادرة على لعب الدور نفسه لصالح المغرب وبكفاءة أفضل. لذلك، فإن إسبانيا مُطالبة بحوار استراتيجي مع نفسها، أولا، لتحدد ما الذي تريده، فالمغرب مستعد على الدوام لبناء علاقات متينة واستراتيجية مربحة للطرفين.