في 2014، تدخل مصطفى الخلفي لدى إحدى المؤسسات البنكية، طالبا منها السماح لنجل محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، آنئذ، بالخضوع لتدريب بإحدى وكالاتها. أثيرت ضجة كبيرة حول الموضوع، فخرج عبد العزيز أفتاتي، وكان رئيسا للجنة الشفافية والنزاهة بالحزب، وقال إن سلوك الخلفي مسيء إلى العدالة والتنمية وسُمعته، ثم تبعه بنكيران، وقال إن ما قام به وزيره في الاتصال يعتبر فسادا صغيرا لن يسمح بتكراره. وكانت النتيجة أن قطاعا كبيرا من المغاربة قالوا: هذا هو الحزب الذي نريده؛ يوبخ وزيرا قياديا فيه لمجرد أنه تدخل لشاب لاجتياز «سطاج»، فيما الذين قادوا الحملة ضده، في الأحزاب الأخرى، يرفلون في الفساد المالي، وغيره من أشكال الريع، حتى الأذنين. تذكرت هذه الواقعة وأنا أرى الحملة ضد معاش عبد الإله بنكيران، وقد التحق بها إدريس لشكر، وقلت: من حق المغاربة أن ينتقدوا بنكيران بشأن معاشه، ويعتبروه لهطة أو فسادا حتى. لكن، هل ينبغي لمن قاد حزبه ليصبح، مثل ضريح مولاي إدريس، ملاذا للمطلوبين للعدالة، أن ينتقد بنكيران؟ إن انتقاد بعض المشكوك في ذمتهم المالية والسياسية يؤدي إلى نتائج عكسية، وهذا جربناه في 2015 و2016. بنكيران، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول معاشه، وأنا، للإشارة، من الرافضين، مبدئيا، لطريقة صرف ذلك المعاش، حصل عليه بطريقة واضحة، بل بطريقة حددها الملك شخصيا، وهي الطريقة نفسها التي حصل بها عبد الرحمان اليوسفي على معاشه. فلماذا ننزه اليوسفي ونسفِّه بنكيران؟ سأكون مضطرا إلى القول إنني، طيلة مراحل تشكل وعيي الفكري والسياسي، كنت ومازلت أقرب إلى اليوسفي من بنكيران، وأجد أن أي إساءة لبنكيران، في هذا الباب، هي إساءة لليوسفي. هذا، طبعا، لا يمنع من فتح نقاش جدي حول المعاشات الاستثنائية وطريقة صرفها، على ألا يقف ذلك النقاش عند ويل للمصلين، حيث يكون الغرض منه، فقط، هو سلخ جلد بنكيران، بل أن يطال العملية برمتها، وهذا سيقودنا بالأساس إلى نقاش سلطات الملك ونقاش الملكية البرلمانية. لقد كان بنكيران، الذي هو أحد خصوم الملكية البرلمانية، واعيا بهذا الأمر عندما قال عن منتقدي معاشه: «يلا ماوقرونيش أنا يوقرو غير سيدنا»، لأن إدريس لشكر وأمثاله قد ينجحون، مؤقتا، في تهييج المغاربة ضد بنكيران، لكنهم، في الحقيقة، يُحرجون المؤسسة الملكية. وشخصيا أتساءل، عندما أرى جرائد ومواقع محسوبة على جهات داخل السلطة، وهي تهاجم بنكيران في هذا الموضوع، ما الذي يحدث «الفوق»؟ وهل أصبح إعلام السلطة ضد القرارات الملكية؟ وبصدق، فثمة أشياء تحدث أصبحت عصية على فهمي. ويزداد الاستعصاء عندما أعلم أن الملك، في أحد اتصالاته برئيس حكومته السابق، قال له: «أ السي بنكيران، يلا جاتك شي حاجة خايبة راه ماشي من عندي». فهل أعمى الحنق على بنكيران هذه الجهات إلى أن باتت ترمي الحجر في كل الاتجاهات، بما في ذلك المشور السعيد؟ من المؤكد أن ثمة خللا في ماكينة السلطة، فالجهة التي سربت ظهير معاش بنكيران، وهو ظهير سري، تسيء إلى الملك قبل أن تسيء إلى رئيس حكومته السابق. لقد وجدتني أردد مع مصطفى مفتاح، أحد ضمائر اليسار المغربي: «إنكم تضطروننا إلى الدفاع عن بنكيران»؛ كيف نهاجم، بلاهودة، رئيس حكومة سابقا على معاش تسلمه في ضوء النهار وفوق الطاولة، ونحن نعرف وزيرا أول سابقا أعطيت له مئات الهكتارات من الأراضي، بعد انتهاء ولايته، كما نعرف الأمين العام السابق الذي كان عاملا تقنيا بسيطا وأصبح، الآن، مليارديرا، وها قد غادر المغرب صحبة ملاييره لاستثمارها في الخارج، كما كتبت الصحافة. ونعرف أيضا رئيس المؤسسة المنتخبة الذي انتقل من شقة صغيرة بأحد الأحياء الشعبية بالرباط إلى فيلا مترامية الأطراف بطريق زعير، وعندما سألته رئيسة المجلس الوطني لحزبه: من أين لك هذا؟ تلقت جوابا لم تتوقعه: «إيلا باقا تهدري فهاذ الموضوع نخلي ليك عشتك». كما نعرف من هو رئيس الحزب الذي ضبط متلبسا، رفقة الخازن العام للمملكة، ب«عطيني نعطيك»، ومن هو الأمين العام الذي تحول من شاب فقير، مندس وسط الطلبة، إلى ثري كبير ومتسلط أكبر؛ وقد حكى لي مسؤول كبير، أخيرا، كيف اشتكى إليه عامل إقليم، وهو يبكي، أن هذا الأمين العام السابق كان يتصل به ويسب والديه، وهو لا يقوى على الرد عليه… فهل نترك هؤلاء الفاسدين والغارقين في الريع، ونهاجم بنكيران على معاش استثنائي كما لو أننا أمام حالة فساد؟ أقول هذا رغم أنني كنت أتمنى لو أنه قال لمبعوث الملك: «أبلغ جلالة الملك بالغ امتناني لالتفاتته الكريمة، واطلب منه أن يعفيني من هذا التقاعد، فأنا سأخرج للعمل».