على خلاف الاحتجاجات التي شهدها المغرب سنة 2017 (حراك الريف، جرادة…)، والتي جرى عزلها ثم قمعها وإخمادها، وهي الآن مثل نار مشتعلة تحت الرماد، تعرف السودان والجزائر احتجاجات جدية وعميقة، حيث تؤكد كل المؤشرات أننا إزاء موجة ثانية من الربيع العربي، تنشد التغيير السياسي العميق. من حيث التوصيف، يمكن القول إن الموجة الجديدة تشمل الدول التي لم تشهد الموجة الأولى سنة 2011، أي السودان والجزائر، وتشير التوقعات إلى أن النجاح قد يكون حليف الاحتجاجات في الجزائر، في حين أن هناك تشاؤما بشأن المصير المتوقع للحراك الشعبي في السودان. معنى ذلك أن الجزائر ربما تكون حلقة جديدة وإضافية في مسار الانتقال الديمقراطي الذي تمر منه تونس، فيما قد تعضد السودان النموذج المصري، القائم على قبضة العسكر، لفترة أخرى من الزمن لن تكون طويلة. وإذا كانت الموجة الأولى لسنة 2011 قد انتهت في بعض الدول إلى الفوضى، بفعل الدور السلبي لقوى الثورة المضادة، ما حال دون تحقيق تلك الموجة أهدافها الكاملة، فإن الموجة الثانية تعيد بعث الآمال العربية في التغيير السياسي من جديد، وتؤكد أن الشعوب لديها القابلية للتعلم الذاتي من بعضها البعض، وتجاوز الأخطاء التي وقعت سنة 2011، ولعل الدروس التي يقدمها الشعب الجزائري خاصة تستحق الوقوف عندها بكل إمعان. ما يحدث اليوم يؤكد أن الشعوب العربية دخلت مرحلة جديدة في تاريخها، وأنها لن تتوقف عن الحراك والرفض والاحتجاج، ما لم تحقق أهدافها في الحرية والكرامة والديمقراطية، حتى لو مرّ بعضها من مسارات مؤلمة، كما هو الحال بالنسبة إلى سوريا وليبيا واليمن. إن القول إن الشعوب تفضل الأمن والاستقرار على الديمقراطية انتهت صلاحيته، يوم قرّر الشعب الجزائري الخروج بكثافة، متحررا من عقال العشرية السوداء، ومن القبضة الأمنية والعسكرية، ومن رسائل الخوف التي تبعث بها أوضاع سوريا وليبيا واليمن وغيرها. وبعبارة أخرى، تؤكد رسائل شعبي الجزائر والسودان أن الإصلاحات السياسية لا يمكن الالتفاف عليها أو تأجيلها تحت مبررات ملتوية ومضللة تخدم مصالح النخب المتحكمة أساسا، وإلا فإن المنطقة مقبلة على هزات عنيفة في حال لم تجر الأنظمة الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية الضرورية. هذا الدرس الأساس حري بصانعي القرار في المغرب أن يلتقطوه بشكل جدي وسريع، لعدة أسباب؛ أولا، أن حالة القلق الشعبي الناتجة عن تردي واقع حقوق الإنسان، وعن إطلاق يد المتنفذين في التلاعب بالقرار والثروة، وصلت إلى مداها. ثانيا، أن الحكومة الحالية تشكو عجزا أصليا في المشروعية، ولم تفلح، طيلة العامين الماضيين، في إثبات ذاتها وتجديد شرعيتها، بل إن نبيل بنعبد لله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، قد حكم عليها، أول أمس، بأنها غير قادرة على إحداث أي تحول سياسي، فضلا عن أنها مستسلمة ولا تبدي أي مقاومة. وثالثا، هناك ركود اقتصادي واجتماعي يحبس أنفاس فئات حيوية، مثل الطبقة الوسطى، والشباب والنساء والمهمشين في ضواحي المدن والعالم القروي. إن تجاوز هذا الوضع المحتقن غير ممكن دون دورة سياسية جديدة، تلتقط ما يقع في الجزائر وفي السودان، وتبني عليه من أجل إطلاق إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية، لتجنب الفوضى ونتائج الغضب المستتر لدى فئات واسعة من المواطنين، ويمكن من يهمه الأمر أن يجعل من ذكرى مرور 20 سنة على تولي الملك محمد السادس الحكم فرصة سانحة لإطلاق جولة جديدة من الإصلاحات، بدل انتظار انتخابات 2021. ولعل الإصلاحات المطلوبة باتت معروفة، وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين والصحافيين، واحترام الحقوق والحريات، وتعزيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وتحرير الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات من النخب العاجزة، وتفعيل استقلالية القضاء، وفصل السلطة عن الثروة. غير ذلك، يمكن توقع الانفجار في أي لحظة، وربما قبل الانتخابات التشريعية المقبلة.