«لازالت مواقف الأطراف متباعدة». بهذه العبارة لخص المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد كوهلر نتائج لقاء جنيف الثاني. لا تبدو هذه الخلاصة صادمة، بل تعتبر حصيلة منطقية ومتوقعة لسنوات من القطيعة بين أطراف النزاع، خاصة الجزائر والمغرب، وأيضا لأن الجميع مستقر على مواقفه التقليدية بشكل يصعب توقع تغيرها في جولة أو اثنتين، لأن جسر علاقات الأطراف مرت تحته مياه كثيرة، كما أن القوى الدولية المؤثرة في تطور مسار النزاع كالولاياتالمتحدةالأمريكية، شهدت في السنوات الأخيرة تحولا في طريقة تعاطيها مع ملف الصحراء وتحولت إلى عنصر حاسم في كيفية تعاطي مجلس الأمن مع القضية، وخاصة ولاية بعثة المينورسو التي تحولت إلى آلية للضغط على الأطراف، وخاص المغرب، وذلك من خلال حصر تلك الولاية في 6 أشهر بدل سنة، كما كان عليه الأمر في السابق، عكس ما يرغب فيه المغرب ومن ورائه فرنسا. فتقليص مدة الولاية يجعل الأطراف تحت الضغط، وهذا الضغط تتوقع منه الولاياتالمتحدة أن يكون دافعا لتقديم مختلف الأطراف لتنازلات تمكن من التقدم في اتجاه الحل، هذا الطموح يصطدم بواقع أن جبهة البوليساريو لا تملك قرارها، كما أن البنية التي قادت مواقف الجبهة بقصر «المرادية» بالجزائر العاصمة، تواجه اليوم، معركة وجود أمام حراك شعبي استثنائي حدد هدفه بوضوح، وهو تغيير النظام. ما يجري في الجزائر اليوم، سيكون له بلا شك تأثير على مسار جنيف بالكيفية والطريقة التي اختارها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. ويمكن القول إن مسار الربيع الجزائري لم يكن في الحسبان، وإن القيادة الجزائرية اليوم، أسقطت عنها الشرعية في الشارع بشكل لا يمكن الاطمئنان معه لمواقفها المعبر عنها على موائد جنيف. الأمر نفسه، ينطبق على جبهة البوليساريو، باعتبارها مجرد رجع الصدى لما تعبر عنه القيادة الجزائرية من مواقف. الخلاصة التي يمكن أن نقف عندها، أنه بغض النظر على أن جميع الأطراف تتحصن وراء مواقفها المعروفة، فإن الجميع مطالب بانتظار ما يسير إليه الحراك الشعبي في الجزائر، ولِما يمكن أن تعرفه من تحولات دستورية ومؤسساتية، قد تحمل نخبا جديدة إلى الحكم، أو ما يمكن أن تنزلق إليه من عدم استقرار ستشمل تداعياته منطقة المغرب الكبير برمتها، وفي صلب تلك التداعيات سيطرح السؤال عن مصير آلاف المسلحين والأسلحة في مخيمات لحمادة بتندوف. هذه التطورات لا يمكن إسقاطها من أي قراءة واقعية لأفق حل نزاع عمّر طويلا. مباحثات جنيف الثانية تزامنت مع تقارير إعلامية تحدثت عن رفع السرية عن بعض الوثائق التي تهم قضية الصحراء، وخاصة الدور الأمريكي في العرض الذي تقدم به المغرب بخصوص الحكم الذاتي، حيث تؤكد تلك الوثائق أن واشنطن اقتنعت منذ فترة طويلة باستحالة تنظيم الاستفتاء في الصحراء، وأن عقدة تحديد هوية المصوتين في الاستفتاء لا يمكن حلها، وهو ما يجعل تنظيم الاستفتاء أمرا غير واقعي ومستحيل. وتفيد معطيات أخرى غير منشورة تنتظر التأكيد أو النفي، أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، قبيل مغادرته للبيت الأبيض، طلب رسميا من المغرب بدء إعمال الحكم الذاتي في الصحراء ولو من طرف واحد، وأن إدارته ستدعم المبادرة المغربية. ليست هناك معطيات حول الأسباب التي جعلت المغرب متحفظا في تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد، وربما قد يفسر ذلك بالتخوف من حدوث تغيير في الإدارة الأمريكية يحمل الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وهو ما حدث بالفعل على كل الحال… الوثائق التي رفعت عنها السرية تضع الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام مسؤولية تاريخية فيما يتعلق بدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي لم يكن اعتمادها من قبل المغرب أمرا سهلا كما يعتقد البعض، ويتذكر الجميع ردود فعل السلطات المغربية عندما تحدثت الصحافة المستقلة هنا عمّا سمي آنذاك ب»الحل الثالث»، والذي لم يكن في النهاية سوى الحكم الذاتي… فإذا كان المغرب يقول اليوم، بأن هذا الأمر هو أقصى ما يمكن التفاوض حوله، فإنه يفعل ذلك، لأن هذا هو أقسى ما يمكن تحمله… وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي للتذكير، لازال منصب سفيرها في الرباط شاغرا، مطالبة بأن تبقى وفية لما اعتبرته منذ 2007 جديا وذا مصداقية، ولعل فرصة التغيير في بنية النظام السياسي الجزائري الحالي الذي ظل متوقفا عند منطق الحرب الباردة، والذي تلوح بوادره في الأفق، يمثل فرصة لواشنطن في إحداث تحول في الموقف الجزائري بشكل يجعلنا نأمل في تصريح مقبل للسيد هوكلر حول تقارب وجهات نظر الأطراف. غير ذلك، ستبقى موائد جنيف مجرد سياسة علاقات عامة للأمم المتحدة… 6