ثمة حاجة ملحة، في خضم تسارع الأحداث، إلى إعادة تركيب الصورة التي نُقل إلينا من خلالها وضع المشهد السياسي الوطني، منذ مدة، من أجل المساهمة في تفسير الكثير مما عاشه المغاربة طيلة هذه الفترة. لنتفق في البداية، على أن المغرب لا يوجد في جزيرة معزولة، حتى يتمكن من تجنب تأثير التحولات التي يعرفها محيطه، والعالم بأسره، وبالتالي، فإنه ليس بمنأى عن هذه التحولات التي تستهدف تحطيم شرعيات قائمة، لصالح شرعيات جديدة، تضمن الانخراط في تنفيذ الحلول المقترحة للأزمات التي تعرفها التجارة العالمية، وتؤمّن نسبة من القبول الشعبي بها، ولو تمويها، عن طريق خلخلة الاستقرار والتوازن بين مراكز السلطة القائمة والمجتمع، باستعمال أسلحة متنوعة، من بينها سلاح الإعلام لتوجيه الرأي العام والتحكم في تفاعلاته. ولذلك، فإن عددا من الأحداث التي عرفها المغرب، ينبغي النظر إليها من هذه الزاوية لفهم الخصوم الحقيقيين للدولة المغربية، مؤسسات ومواطنين، لكي لا يتم السقوط في فخ التحديد الخاطئ للخصم، الذي يجعل المقاومة والرفض يتجهان الاتجاه غير الصحيح، الذي يضعف في النهاية الدولة نفسها والمجتمع، ويوفر للمرتزقة مساحات تحالف مع من لا يريدون خيرا لهذا البلد. من حُسن حظ المغاربة، أن المؤسسات السيادية للدولة، تتعامل بمرونة كبيرة وباستباقية لافتة، مع مختلف التحديات، وفق أولويات تحفظ السيادة والوحدة الوطنية والترابية، وربما، قد يكون هذا على حساب قضايا داخلية مؤجلة، يخلق تأجيلها نوعا من القلق بين المواطنين، ويزداد القلق بتدخل المرتزقة والطفيليات التي لا تنمو إلا في الأجواء العكرة! بعبارة أكثر وضوحا، ظل المغرب مستهدفا في استقراره، من خلال محاولات إشعال الشارع، وتأليبه على المؤسسات السيادية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية الضامنة لدوام الدولة واستمرارها، وذلك بسبب رفضها للكثير مما قبلته دول عربية أخرى فرطت بسهولة في سيادتها، وتسببت في تفكيك مجتمعاتها. وفي هذا السياق، يمكن أن نعيد قراءة أبعاد عدد من الأحداث التي تصدرت عناوين الصحافة سواء الصادرة في المغرب، أو الأجنبية التي تدعي متابعة شؤونه، وخاصة الممولة من طرف رأس المال الخليجي بالتحديد. نذكر جميعا التغطيات الإعلامية لموجة الهجرة «السرية»، وكيف أظهرت المغرب دولة طاردة لأبنائها ظالمة لهم، مخيرة إياهم بين البقاء في «الجحيم» أو الموت وسط البحر، ونتذكر كيف أن حملة إعلامية أخرى حاولت ترويج مقاطع فيديو لمغاربة متضررين من سياسات أو قرارات إدارية، يتوجهون مباشرة إلى الملك بعبارات لا تليق بالاحترام والتقدير والتوقير الذي يكنه المغاربة له، ونتذكر، كذلك، كيف جرى تجييش تلاميذ المؤسسات التعليمية للتعبير عن رفض قرار «الساعة الإضافية»، وكأنها ساعة القيامة، وليست ساعة ضبط الوقت، ونتذكر كيف حاولت قنوات تلفزيونية عربية وعالمية، توظيف أغنية «في بلادي ظلموني» لجماهير فريق الرجاء البيضاوي، وأعدت حولها تقارير وبرامج بهدف جعلها مادة للتعبئة والحشد، ضد مؤسسات بعينها، ولنسجل، أيضا، كيف جرى تضخيم مشكل الأساتذة «المتعاقدين» وإدخال احتجاجاتهم المشروعة إلى نفق لا تخفى مراميه. كل هذا جرى بتنسيق إعلامي واضح، وكانت غايته إشعال الشارع المغربي، بعد فشل المحاولات السابقة التي كانت احتجاجات منطقة الحسيمة وجرادة، مادة لها، إلا أن الشعب المغربي، تعامل مع كل ذلك بذكاء، واختارت أعداد منه، التفاعل بالتعبير عن التضامن ورفض التجاوزات، لكن في إطار، ما يزال إلى اليوم يراعي، ما راعاه من شاركوا في تظاهرات حركة «20 فبراير» سنة 2011. هذه المواكبة الإعلامية لم تكن أبدا حبا في سواد عيون المغاربة، ولا تضامنا معهم في ما يعيشونه من مشاكل اجتماعية واقتصادية، ولكن كانت بغاية محددة، هي توجيه الرأي العام في اتجاه يُفقد الثقة والمصداقية في مؤسسات الدولة، لنزع المشروعية عنها، بأفق التأثير على شرعيتها، بما يوفر ظروف وشروط الابتزاز والتدخل، لفرض خيارات معينة على المغرب، مؤسسات ومواطنين. وفي التقدير، كانت هذه محاولات خارجية لضرب الاستقرار بالمغرب، مستغلة الحاجة والوضع الاجتماعي الصعب لفئات كثيرة من المغاربة، غير أن خبرة الشعب المغربي أفشلتها، لكن فشل هذه المحاولات ذات الأصل الخارجي، لا يعني أن تهديد الاستقرار لم يعد قائما، لأن أطرافا ومشاكل داخلية يمكن أن تنجح في ما فشلت فيه المحاولات الأخرى.