في جعبة كل واحد منا تمثل، تقييم أو فكرة عن الرجل السياسي أو المرأة المسؤولة، قد لا تكون بالضرورة حقيقية..أو كما يقول كارل ماركس « جذر الرجل هو الرجل نفسه». «أخبار اليوم» تقتحم عوالم شخصيات سياسية، اعلامية، حزبية، حقوقية.. تقلدت سابقا أو لا زالت على رأس مسؤولياتها، من خلال سلسلة حوارات تقرب القارئ أكثر من شخصياتهم، طريقة تفكيرهم، ذكرياتهم، وممارساتهم خلال شهر رمضان.. كيف تمضي يومك خلال شهر رمضان؟ أنا في الحقيقة لا أصوم. للأسف، حرمت من تأدية هذا المنسك الديني منذ زمن طبعا لدواع طبية لأن صحتي لا تسمح بذلك، والطبيب أصر على أن أفطر شهر رمضان بسبب مرض السكري، وقد كنت دائما حريصا على الصيام، «مكرهتش نصوم مع الشعب»، فأنا مؤمن بأن الصيام من الشعائر الدينية وأيضا المجتمعية التي توحد هذه الأمة باعتبارها كيانا واحدا. يختلف رمضان اليوم نوعا ما عن رمضان الأمس. أين يكمن الفرق في نظرك؟ كثيرة هي الاختلافات والمفارقات بين رمضان كما عشناه بالأمس وكما نعيشه اليوم، وأولها «الغلاء» الذي صار يفوق القدرة الشرائية للمواطن. للأسف، الدولة لم تقم بما يجب عليها لتحقيق التوازن الاقتصادي في فترة من فترات تاريخها، وللأسف الشديد لا هي تقوم أيضا بترشيد الاستهلاك ووضع حد للتبذير، حتى صار هناك نوع من الإفراط المبالغ فيه في اقتناء المنتَجات خلال المناسبات الدينية، سواء في رمضان أو باقي الأعياد، «واللي كايبقاو يضيعو». ما هي الإجراءات التي كان يفترض على الدولة اتخاذها أو وجب أن تحتكم إليها اليوم؟ للمسؤولين دور قائم بذاته لتحقيق المفهوم الاقتصادي. مثلا، على المرشدين الدينيين أن يكرسوا خطبهم الدينية لتمرير رسائل مهمة كهذه، لكن، للأسف، «هاد التوجه ماكاينش، وكل واحد داير اللي عجبو، واللي عندو الفلوس راه عايش وكيصرف الكثير. ثم إن الاقتصاد الوطني لا يعني فقط المؤسسات الحكومية وخزينة الدولة، بل أيضا المجتمع، وعلى هذا الأساس وجب أن يدرك هذا المجتمع مخاطر التبذير، وأن يعي ضرورة ترشيد الاستهلاك. نحن قوم مستهلكون إذن؟ (يضحك) صحيح، نحن قوم نستهلك أكثر مما ننتج، ولأوضح لك ذلك أكثر، يوجد استهلاك من نوع آخر في هذا الشهر هو «استهلاك الوقت»، حيث تغيب فكرة استثمار الوقت في أمور مهمة مثل الثقافة، القراءة، الاكتشاف، العمل، خدمة المجتمع، والبحث… حيث صارت اليوم أمورا غريبة عن المجتمع خلال هذا الشهر، فضياع الوقت واستنزاف وقت العبادة والأمور الروحانية في أمور سطحية صار طاغيا. أظن أن مجتمعنا يجب أن يتغير ويتحسن، والمفروض أن ننتج أكثر مما نستهلك. السي بنسعيد، دعني أفتح معك صندوق الذكريات. كيف كانت طفولتك؟ كيف كنت تمضي شهر رمضان خلال تلك المرحلة؟ أتذكر أنه في تلك الأيام كنت أصوم قبل بلوغ سن الرشد، فقد بدأت في سن السادسة أو السابعة في تعلم الصوم. يقال إن «الأمهات يخطن أنصاف الأيام»، هل كان الأمر صحيحا كذلك بالنسبة إليك؟ (يضحك) لا، ربما أحيانا، لكننا كنا متمسكين بالصيام في أغلب الأوقات، وكنا نصومه بشكل كامل. كنا متدينين وقتها، كنا ندرس في المسجد أو كتاب القرية، نحفظ القرآن ونتعلم أصول اللغة وقواعد اللغة العربية في «الدوار» في تينمنصور. هذا طبعا قبل أن أغادر قريتي وألتحق بالمدارس العتيقة، وأنفتح على أمور أخرى. فمثلا، كنت في تلك الفترة حريصا أيما حرص على المحافظة على أوقات الصوم والصلاة، واكتشفت أنني كنت في عزلة عن الحضارة والتقدم الذي عاشته أغلبية المدن الحضارية آنذاك، لأن القرى المغربية في تلك الفترة كانت معزولة بعد الاحتلال، قبل أن تنتظم البلاد تحت سيطرة مراقبي الشؤون الأهلية الذين كانوا يمنعون التواصل بين المدن الحضارية والبوادي والريف بواسطة الأجهزة الإدارية، من قياد ومقدمين، والمراقب المدني الذي كان يسيطر على جميع الأجهزة آنذاك. لقد كنت في تلك الفترة في بداية العشرينات من عمري. وكيف تجاوزت صدمة التمدن وقتها، خاصة في الشق المتعلق بما هو اجتماعي؟ بالانفتاح ومحاولة التأقلم مع الوضع الجديد والاكتشاف. كان كل شيء مختلفا، بما فيه نوع الأكل، كان مختلفا بشكل كبير. مثلا، في ما يتعلق بالحريرة، كاين اختلاف بين المائدة في البادية والمائدة في المدينة، وتقريبا تكون المواد الغذائية في القرية صحية أكثر، أما المائدة في المدينة فتكون متنوعة وعصرية ومختلفة أكثر، وهنا يكمن فرق كبير. توجد أصوات في المجتمع المغربي، خاصة من شباب اليوم، يرفضون فكرة صيام شهر رمضان، وأغلبهم يعتنقون الفكر اليساري. باعتبارك واحدا من أكبر الزعماء الذين أسسوا هذا الاتجاه في البلد، كيف ترى هذا الأمر؟ هل هو حرية فردية؟ وهل كانت هناك أصوات منادية بالإفطار العلني في وقتكم؟ لا، أبدا، هذه الظاهرة جديدة، لم يسبق لي أن صادفت وقتها رافضا للصيام، لأنه في تلك الأثناء كان الجو العام متشبثا بالقواعد والأسس الإسلامية، وعلى رأسها الصلاة، الصيام، الزكاة… كان الالتفاف حول قضايا أهم وقتها. صحيح أنه كان هناك الكثير من الشباب آنذاك يصومون ولا يصلون، لكن الصيام كان ثابتا في المجتمع وكان ثقافة قارة. ما أنتقده أنا هو أن المشرفين على الشأن الديني لم ينشئوا مؤسسة أو هيئة إصلاحية تدخل على هذا الدين تطورا وحداثة وعلما وتقدما في القضايا المجتمعية، حيث إن الطاغي على المناطق، خصوصا في البوادي، هو الزوايا التي لا تخدم اتجاه الحرية والاستقرار، حتى إن هذه الزوايا كانت في فترة سابقة تخدم الأجهزة الاستعمارية، وهذه من القضايا التي كانت تواجهها الحركة السياسية في الثلاثينيات والأربعينيات، وزعماء تلك الزوايا هم من أسسوا أحزابا إسلامية، لكنهم كانوا أدوات استعمارية، لكن في الفترة نفسها كان هناك حكماء وعلماء إصلاحيون، وهم أقلية، أذكر منهم الفقيه بن عربي العلوي وشعيب الدكالي. كانوا نادرين، والباقون لم يكونوا يجرؤون على الدخول إلى المعارك السياسية آنذاك من أجل الحرية والاستقلال. هل تلمح إلى أن الخطاب الديني لم يطرأ عليه تجديد؟ لا يوجد تطور إلا في إطار الحركات الوطنية التي تقدمت حينها، وحققت خطوات مهمة جدا، لكن، في الميدان الديني، لم يتجدد الخطاب، ولم يتحقق تقدم يخرج الناس من العزلة والتخلف والجهل، حيث وجب فتح هذا الميدان للشباب والأخذ بأيديهم لتحقيق تقدم البلاد.