حضر المقرئ أبو زيد الإدريسي في برنامج «سواعد الإخاء» في موسمه السابع؛ فأثار دهشة الحاضرين، وخلق نقاشا صاخبا عند المتابعين. فكرة البرنامج: اجتماع دعاة إسلاميين من مختلف الجنسيات العربية، للحديث عن مسألة دعوية. يختار مخرج البرنامج ربيع سعدات، أن يكون تصوير جلسة الدعاة، تحت خيمة عتيقة، أو أن تكون في الغابة… يجلس الدعاة على شكل نصف دائرة، وأمام كل واحد منهم مائدة صغيرة، وُضِع عليها الماء والحلويات والقهوة. اختارمعد ومقدم البرنامج محمد السيد أن يكون موضوع الحلقة الثالثة من هذا الموسم: «الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه». سأل معد البرنامج أبا زيد عن رواية: «رَواء مكة». جاء هذا السؤال، بعدما تحدث الداعية المغربي يونس ريحان عن تخليد القرآن لذكر أبي بكر؛ ثم أنشد المنشد اليمني عبدالقادر قوزع نشيد: «الله، الله، كلما ناديت يا رب، قال: يا عبدي أنا الله»؛ ثم تحدث الداعية الجزائري مبروك زايد الخير؛ ثم سأل معد البرنامج، والسؤال لا علاقة له بموضوع الحلقة. أدهش أبو زيد الحاضرين، يتحدث بلغة فصيحة، يسرع في الكلام، يعبر بوجهه ويتفاعل بيديه. لا يتردد في تكرار أوصاف المدح، إذا تمكن شيء من لُبِّه، كأن يقول مثلا: رائع، جميل، مثير، مدهش… وكل وصف قاله، يسقي حروفه قوة في نطقه، فإن قال: «رائع» تجده يتوقف قليلا عند الراء. وما قاله في حق الرواية أقل بكثير مما قاله أمام أوريد في ندوة توقيعها، التي تحدث فيها أربعين دقيقة، وحكى أنه بكى في الطائرة وهو يقرأها، حتى ظن من بجواره، أنه فقد شخصا عزيزا. يبوح أوريد في روايته بقصة تحوله من «حياة الضلال» إلى «حياة الهداية»، ويكتب بأسلوب الاعتراف المسيحي. يعترف بزلاته، وكيف تحقق التحول في علاقته بالله، كان بعيدا عنه، ووجد نفسه في رحلة حج -رفضها حين دُعي إليها- يهاجر إلى الله. منح لهذا التحول أفقا فكريا وفلسفيا، مذكرا بجذور تربيته من قِبل الجدة والأب والأم. درس أوريد في المدرسة المولوية، ثم أصبح ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، ثم واليا على مكناس، ثم وجد نفسه خارج دائرة السلطة، فانصهر في الكتابة والتأليف الروائي، ليقول ما لا يمكن قوله في باقي أجناس الكتابة. فجأة، يعلن عن «توبته الإيمانية» في اعتراف صريح، بأسلوب رشيق، ضمن سيرة روائية. إذا كان هذا هو أوريد، فمن هو القارئ الذي سيحتفل بهذه التوبة؟ وما طبيعة هذا القارئ؟ يعتاد الخطاب الديني على استثمار قصص التائبين في المواعظ، لأنها أكثر تأثيرا في المتلقي. فلو تحدث الواعظ عن «التوبة» مجردة؛ لن يكون تأثيره أقوى من حديث عن «توبة حسن أوريد» مثلا، رجل عاش في «نعيم السلطة»، وفجأة، يعلن «توبته الإيمانية». الإسلاميون، حينما كانوا في المرحلة الدعوية، كانوا يركزون في خطاباتهم الدينية، على قصص توبة الملحدين والماركسيين والفنانات… لزرع الأمل في النفوس، لتؤمن بأن الإسلام مقبل، وأن المستقبل لهذا الدين. كان الأستاذ امحمد طلابي قياديا في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. فجأة، قرأنا في الصفحة الأولى من جريدة «الراية» بالخط العريض، عدد 23 شتنبر 1998- كان مدير نشرها عبدالإله بنكيران- «المناضل امحمد طلابي يستقيل من الحزب ويتحول إلى الإسلام». اعترف طلابي بإلحاده، وأنه وجد الطمأنينة في الإسلام، كان الخبر مثيرا للدهشة، المعروف هو التحول من حزب إلى حزب، فكيف التحول من حزب إلى الإسلام؟! فَمنِ القارئ الذي احتفل بهذه التوبة؟ القارئ الإسلامي بكل تأكيد. أصبح طلابي إلى مؤطر لهذا القارئ، الذي يسرع رفقة المئات لحضور محاضراته، ليفتخر بإيمانه، ويفرح بإيمان طلابي، فتصبح المحاضرة، لحظة صوفية بامتياز. كانت جريدة الإصلاح، جريدة الإسلاميين الأولى، تكاد لا تخلو من قصص توبة الفنانات: شادية، هالة فؤاد، شمس البارودي، عفاف شعيب، طروب، فريدة سيف النصر، سهير رمزي، سحر حمدي، شهيرة… هذه القصص، كانت تحمس الإسلاميين لمواصلة جهودهم الدعوية. وكان طلبتهم في الجامعة، ينظمون حفلات استقبال التائبات من الطالبات المحجبات. إن ما قام به أبو زيد، يذكرنا بعُرف انقرض عند الإسلاميين «حفل التائبين»، لأنهم انغمسوا في الصراع السياسي، ولربما، قد نرى بعضهم، يسأل الله، أن يمُنّ عليهم «بتوبة إيمانية». أَحيى أبو زيد هذا العُرف، ودعا الدعاة إلى استثمار قصته في مواعظهم. تحول قارئ كتاب «رواء مكة» من قارئ عادي، إلى قارئ ضمن تيار إسلامي. وكانت النتيجة نفاد الرواية بسرعة البرق. ربما تساءل أوريد مندهشا: هل كانت ستنتشر الرواية لو لم يروجها أبو زيد؟! وقد يكون ختم تساؤله بهذا الدعاء: اللهم ارزقني قارئا مثل أبي زيد؟