توقف أحمد أوزي، الباحث المغربي بكلية علوم التربية بالرباط، عند مجمل مظاهر الثورة الرقمية وانعكاساتها على مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. إذ يوضح مدى التحول العميق الذي أحدثته هذه الثورة في المجتمعات العربية والعلاقات الإنسانية، إلى جانب تركيزه على انعكاساتها على مجال التعليم وتأثيرها في بنياتها ونظمه ونوع الكفايات والمهارات المتداولة في مقرراته وبرامجه، وكذا علاقته بسوق العمل، إلخ. أضف إلى هذا تحليله لأدوار ومهام الوسائل التكنولوجية الحديثة في العملية التعليمية/التعلمية، ودور الذكاء الصناعي في تحقيق جودة التعليم. هنا، يؤكد أوزي على ضرورة أن يعي المدرس المستجدات التعليمية الجديدة، بغية مساعدة المتعلمين على التكيف معها والمساهمة في أن تساير المدرسة التحولات التي تفرضها الثورة المذكورة. وينطلق الباحث المختار بنعبدلاوي، في حديثه عن معضلة التعليم من التجربة المغربية، لكونها تتقاطع كثيرا مع التجارب المغاربية، وتتشابه اليوم أكثر فأكثر مع عدد من التجارب العربية. إذ يرى أن المخاطر الكبرى التي يطرحها تغييب المقاربة الإدماجية اليوم تتمثل في أن المضي في عملية الخوصصة سوف يؤدي ليس فقط، إلى تهميش مؤسسات التعليم العمومية (بسبب الفوارق في الموارد والوسائل الديداكتيكية والخبرات المتراكمة)، وإنما أيضا إلى تمكين أبناء الطبقات العليا والمتوسطة من تحسين وضعياتهم باستمرار، في مقابل التهميش المتزايد للتلاميذ من الطبقات الدنيا في ظل انعدام تكافؤ الفرص. أما الحل، فيكمن، حسب قوله، في “ألا تبقى المدرسة جزيرة معزولة داخل الحي، ترتفع أسوارها كحاجز كبير بينها وبين العالم المحيط بها، بل أن تنفتح على هذا المحيط وأن تتفاعل معه، وهذا ما يمكن أن يوفر لها تواصلا حيا مع المجتمع، وأن يستقطب عددا من الموارد، وفي الوقت عينه، أن يوفر لتلاميذها الحماية من مخاطر العنف، وترويج المخدرات، وأشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حافظت المدرسة العمومية على موقع مركزي في المنظومة التعليمية، وإذا تم تأهيلها وإعادة الاعتبار لها.” وترى القاصة والروائية الجزائرية، عائشة بنور، أن أسباب فشل التعليم لا يعود إلى الموارد البشرية، وإنما إلى غياب المناخ الديمقراطي في البلدان العربية وقمع الحريات وبروز ظواهر التعصب والتطرف الديني الناتجة عن سيادة الجهل وتفشي الأمية. وفي الآن ذاته، تعتبر أن الرهان الأساس لإصلاح التعليم يكمن في التركيز على صناعة أجيال المستقبل، من خلال بناء شخصية الطفل. كما تراهن بنور على محاربة الغزو الثقافي الأجنبي الذي يضرب الهوية والقيم العربية في الصميم، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير المنظومة التعليمية في علاقتها بالثورة التكنولوجية والبحث العلمي. وينبه محمد الخباز، مدير المدرسة العليا للتعليم بنواكشوط، إلى أن التعليم يواجه إكراهين: إكراه العولمة وإكراه الهوية والخصوصية، حيث يشير إلى أن الهوية تبدأ بالعربية. لكنه يؤكد أن هذا الأمر يطرح مشكلات كبيرة في التعليم، على اعتبار أن التعليم في الأطوار الابتدائية والإعدادية والثانوية يتم باللغة العربية، قبل أن يواجه الطالب في الجامعة بدروس تلقى باللغات الأجنبية، مذكرا بأن الدول المغاربية تراجعت، في الآونة الأخيرة، عن تدريس العلوم بالعربية واعتمدت الفرنسية بدلا عنها. ويخلص إلى أن إصلاح التعليم يجب أن تدمج العربية واللغات المحلية والإنجليزية والفرنسية، وربما لغات أخرى، ضمن استراتيجية تدريس العلوم. ويقول محمد الخزاعي، الكاتب البحريني، إن الجامعات العربية، على كثرتها، لا تدخل في التصنيف العالمي لأفضل خمسمائة جامعة في العالم، ولا تساعد على اللحاق بركب الإنتاج المعرفي والعلمي، وعلى تجاوز واقع الفقر والتدهور الاقتصادي، كما أنها لا تستجيب لسوق العمل. في حين، ترى الإعلامية فاطمة النوك أن التعليم يعكس المشروع الحضاري، مثلما عكس مشروع المستقبل. ومن هذا المنطلق، تركز النوك على قضية المرأة والمساواة في الكتاب المدرسي، حيث تتوقف عند الاختلال الواضح بين ما يدرس بخصوصهما في الفلسفة والتربية الإسلامية، خاصة في مجالي حقوق الإنسان. إذ ترى أن المقررات الدراسية تكرس تمثلات وتنميطات تقليدية حول المرأة في الكتاب المدرسي، وحول طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء، وحول تكريس قيم عتيقة متعلقة بالأسرة. وتتساءل الباحثة فاطمة رومات عن مستقبل التعليم العربي في ظل الذكاء الاصطناعي، حيث تقول إن الكثيرين يعتقدون أن تطوير الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يخلق فرصَ عمل جديدة. لكنها تنبه إلى أن ذلك سيعزز دور الشركات، لتقف بعد ذلك عند الشرخ الكبير بين التعليم التقليدي والنظم الجديدة، داعية إلى ضرورة وضع أسس استراتيجية جديدة، غايتها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، مع التقليل من مخاطره.