مصطفى روض إعلامي مهتم بشؤون أمريكا اللاتينية باعتبارك صحافيا عايش على الأرض تجربة اليسار في الشرق الأوسط وإسبانيا وأمريكاوكوبا، ومؤخرا الشيلي، كيف تقرأ العلاقات المغربية الأمريكو لاتينية منذ الثورة الكوبية؟ كان المغرب حاضرا باستمرار في أمريكا اللاتينية على المستوى السياسي وعلى المستوى الثقافي، سواء قبل الثورة الكوبية أو بعدها، حيث كان البلدان يتمتعان بعلاقة متميزة وحضور دبلوماسي وازن، والقيادة الكوبية كانت تستوعب جيدا قيمة الدور البارز الذي لعبه الشهيد المهدي بنبركة في قيادة نضال حركة شعوب القارات الثلاث، وكانت متأثرة بهذا المعطى، الذي يضاف إليه معطى آخر، وهو تقديرهم الكبير للزعيم عبدالكريم الخطابي، الذي استفادت الثورة الكوبية من تجربته في علم حرب العصابات، كما نقلها لهم تشي غيفارا، التي كانت أسلوبا ناجعا في إسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري. وبالموازاة مع العلاقة المميزة مع كوبا، كانت للمغرب، في الوقت عينه، علاقات جيدة مع باقي بلدان أمريكا اللاتينية، ولم تكن ثمة حسابات سياسية أو إيديولوجيا للإساءة إليها، سوى بعدما قرر المغرب وقواه الوطنية الديمقراطية استعادة الصحراء المغربية من نير الاستعمار الإسباني عام 1975، حيث انحازت كوبا إلى أطروحة الانفصال التي روجت لها الجزائر وعمدت إلى مساعدة جبهة البوليساريو على كل المستويات، حتى إنها وضعت رهن إشارتها مقاتلين متطوعين لمواجهة المغرب في ميدان الحرب، ولذلك تم قطع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين عام 1978، وظلت كوبا الثورة تلعب دورا معاديا للمغرب في كل المحافل الدولية دعما لجبهة البوليساريو في أطروحتها الانفصالية، رغم فقدان هذه الأخيرة للخصائص الإيديولوجية والسياسية للحركات السياسية اليسارية. وأخطر من ذلك، أن كل الإساءات التي أضرت بعلاقة المغرب مع بلدان أمريكا اللاتينية مثل نيكاراغوا، بوليفيا، بنما، فنزويلا، إكوادور… كانت بتأثير قوي من الدور المعادي الذي لعبته كوبا خدمة للنظام العسكري في الجزائر، هذا فضلا عن تأثيرها على مجمل حركات اليسار بما فيها الأحزاب الشيوعية التقليدية، والتي كانت تقدس إيديولوجيا أطروحة الانفصال، وتعادي بالمطلق قضية الوحدة الوطنية للمغرب. كيف تنظر إلى الاختراقات الأخيرة التي حققها المغرب في السلفادور وفي الإكوادور وفي بنما، خصوصا وأن هناك بوادر إمكانية سحب البلدين الأخيرين اعترافهما لجبهة البوليساريو؟ نعم، هناك تغير ملحوظ في مواقف بعض بلدان أمريكا اللاتينية لفائدة قضية الصحراء المغربية، ونقصد بها السلفادور والإكوادور وبنما، التي تطور لدى نخبها وشعوبها الوعي السياسي بمشكل الصحراء المغربية وبدأت تتعامل معه من منظور الدبلوماسية الإيجابية التي تخدم مصالح الشعوب والدول، فضلا عن اقتناعها بأن العلاقات الاقتصادية والثقافية هي الأهم من كل شيء وكلما تعززت وتقوت، كلما تراجعت الأوهام الإيديولوجية المعرقِلة لممكنات التقارب السياسي والثقافي بين الشعوب. في الحقيقة، لا أرى أن التحول في مواقف هذه البلدان لفائدة قضيتنا المغربية، يعود إلى اختراقات قام بها المغرب الرسمي، نظرا إلى ضُعفِ جهوده الدبلوماسية مقارنة مع جهود الجزائر، التي تنزل بكل وزنها في أمريكا اللاتينية، بقدر ما أن الأمر مرتبط، أساسا، بتحولات عميقة في الفكر السياسي، وفي مواقع النخب كلما حلت لحظة الانتخابات. السلفادور مثلا، لو لا نجاح نجيب بوكيلي، الفلسطيني الأصل، كرئيس جديد لَما اهتمت بالعلاقات المتميزة ولما عبرت بقوة عن مراجعتها لعلاقتها مع جبهة البوليساريو ونيتها تعزيز علاقتها مع المغرب، في أفق دعم المغرب نهائيا في قضيته الوطنية. الإكوادور، هي الأخرى، ما كان لتبدي استعدادها في التحول من موقف العداء لقضيتنا الوطنية، الذي كان يروج له الرئيس اليساري السابق رفائيل كوريا، لولا التحول العميق في فكر الرئيس اليساري الحالي لينين مورينو. اشتغلت في الشيلي لسنوات، هل يمكن أن تتحدث لنا عن الحضور الثقافي والاجتماعي المغربي في هذا البلد؟ عندما وصلت إلى الشيلي عام 2011 كان حضور المغاربة المهاجرين لا يتجاوز 60 شخصا، قياسا مع الفلسطينيين الذين تتجاوز جاليتهم نحو 500 ألف فلسطيني جاؤوا إلى الشيلي خلال عدة مراحل منذ الفترة الأخيرة لاحتلال الدولة العثمانية، وكان من الصعب عليّ أن ألحظ وألمس أي حضور ثقافي مغربي أو اجتماعي داخل الشيلي، بقدر ما أثار انتباهي حضور الجالية الفلسطينية على عدة مستويات، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا. وبالطبع، لم أتمكن من تلمس واكتشاف الحضور الثقافي المغربي إلا بعدما اشتغلت في المركز الثقافي محمد السادس لحوار الحضارات بمدينة كوكيمبو مدة سنة ونصف بفضل الأستاذ الصديق عبدالقادر الشاوي، حيث تملكتني الدهشة، منذ الوهلة الأولى، وأنا أجد إشعاع الثقافة المغربية في كامل جهة كوكيمبو وإقليم «إيلكي»، بفضل هذا المركز الثقافي، الذي يعد المركز العربي الوحيد في كل أمريكا اللاتينية وحاضن لمسجد يزوره يوميا زوار من الشيلي ومختلف بلدان أمريكا اللاتينية ويعود له الفضل في تعرفهم على فنون المعمار الثقافي المغربي الإسلامي، وعلى فنون الطبخ المغربي، كما أن المركز يتوفر على مكتبة مهمة تحتوي على أمهات الكتب المكتوبة بالإسبانية، والخاصة بالثقافة المغربية والعربية والمتوسطية والشيلية، وهي رهن إشارة الشيليين في منطقة كوكيمبو يستمدون منها معارفهم التي تقربهم من الثقافة المغربية، والتي بفضلها أصبح الكثير من الشيليين يزورون المغرب للتعرف على ثقافته وتقاليده وموسيقاه وطبخه عن قرب. ولا بد من التذكير بأن المركز، بفضل السفير السابق عبدالقادر الشاوي، الذي استثمر علاقته الثقافية مع العديد من كتاب أمريكا اللاتينية والمغرب، كان يعود له الفضل في إصدار تلك الكتب المهمة للتعريف بالثقافة والأدب المغربيين، في إطار دبلوماسية الثقافية كان لها دور إشعاعي مهم، سواء في منطقة كوكيمبو أو على المستوى الوطني والقاري، كما كان لمديره السابق والحالي السيد أحمد آيت بلعيد، الإسهام الكبير في إدارة المركز وتنشيطه، وكان اللقاء الدولي السنوي الذي يشارك فيه كُتّاب من بلدان أمريكا اللاتينية والشيلي وإسبانيا والمغرب واحدا من أهم الأنشطة الثقافية التي ينظمها المركز في مدن كوكيمبو، سانتياغو وفالبراييسو، وتنعكس فيها روح حوار الحضارات والتفاعل الثقافي الإيجابي، ما جعل إشعاعها يصل إلى الكثير من المناطق الشيلية. هذا، بالإضافة إلى البرنامج الثقافي السنوي، الذي على أساسه كان المركز يقوم بأنشطة مختلفة داخل المؤسسات التعليمية والجامعات. ومشاركة المركز في معارض الكتب الدولية والوطنية كانت هي الأخرى تتيح إمكانية نشر الثقافة المغربية وضمان حضورها، من خلال الكتب بالطبع، والمناقشة مع الشيليين لتزويدهم بكل المعلومات التي يحتاجونها في مجالات الثقافة والدين والسياسة التي كان المركز، في مجال دفاعه عن القضية الوطنية، يصحح لهم كل المغالطات التي كانت تتركها جبهة البوليساريو في جعبة أحزاب يسارية شيلية تقوم بالرواج لها دون تمحيص.