بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم ا تلقيت في شهر يوليوز المنصرم، أولا، عبر الهاتف، ولاحقا، عبر رسالة في البريد الإلكتروني، من مركز سيرفانتيس الإسباني بطنجة، خبرَ منحي للتو الجائزة الدولية للأدب، التي تبلغ قيمتها 150 ألف أورو. لم يكن محاوري عبر الهاتف سوى صديقي الكاتب المصري المهتم بالشأن الإسباني، صالح فضل، أحد الوجوه المحترمة بين المثقفين في بلده، والذي لا أحد يستطيع أن يجادل أو يشك في قناعاته الديمقراطية. رداً على استفساري بخصوص أعضاء لجنة التحكيم التي منحتني الجائزة، أُخْبِرت بأن رئيس اللجنة هو الروائي الليبي العظيم المقيم في سويسرا، إبراهيم الكوني، وهو الشيء الذي زاد استحساني ورضاي عن الجائزة. لا أخفيكم سرا أنني معجب كثيرا بمؤلف رواية «التبر»، وهي قصة استثنائية ومؤثرة لبدوي شغفه جمله الأمهري حبا، وهو الشغف الذي دفعه إلى التخلي عن زوجته مقابل استرجاع جمله الذي كان قد باعه في السابق، ويقرر الهروب معه إلى الصحراء، وصولا إلى النهاية المأساوية التي ستفاجئ القارئ. شخصيا، أعتقد أنها واحدة من أفضل الروايات العربية المعاصرة. هذه الرواية المترجمة، وبتقديم يحمل توقيعي، أصدرتها قبل بضع سنوات دار النشر «غالاكسيا غوتينبيرغ». أعضاء لجنة التحكيم شخصيات وازنة من مختلف الجامعات الأوروبية والأمريكية والاسترالية، ما يؤكد، جليا، الانسجام والنزاهة الأخلاقية للجنة. كما أنني أقدر الدوافع التي جعلت اللجنة تمنحني الجائزة، ورحبت بها بامتنان؛ الإبداع الأدبي والفني، وانجذابي، الذي لم أنكره أبدًا، إلى الثقافة العربية، والدفاع عن القضايا العادلة. جاء في ردي على الدكتور صلاح فضل: «إن نزاهة ووزن جميع أعضاء لجنة التحكيم الذين يرجونني أن أقبل الجائزة، دليل لا يتناطح حوله كبشان عن استقلالية اختيارهم». فعلا، أعتبر نفسي أحد الروائيين الأوروبيين النادرين المهتمين بالثقافة العربية الإسلامية -اهتمام يمتد إلى الثقافتين التركية والإيرانية- بل أكثر من ذلك، دافعت، ما استطعت إليه سبيلا، عن القضية الفلسطينية وفقًا لقرارات الأممالمتحدة، إلى جانب نضالي من أجل الديمقراطية وحرية الشعوب العربية المحرومة منهما بقسوة. دفاعي هذا عن الشعوب العربية الإسلامية وقضاياها العادلة كلفني الكثير من العداوات والهجمات من لدن «المستغربين»، الذين ينكرون كل الأدلة البديهية للمكون المهم العربي (واليهودي) للغة والثقافة الإسبانيكية. (ليس عبثا أن يكتب خوان غويتيصلو الإسبانيكية بدل الإسبانية («hispánicas» بدل “españolas”) بل قصد ذلك، لأن الكلمة الأولى تشمل اللغة الإسبانية المتحدثة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية). وقد سمحت لي معرفتي المتواضعة بالدراجة المغربية -ليس أقل ولا أكثر من معرفة الكاتب الشهير خوان رويث (arcipreste de Hita) بها- بأن ألتقط من زاوية واضحة فرادة هويتنا المعقدة والمتغيرة والمتمحورة، مثلها مثل كل الهويات الثقافية والإنسانية المتفتحة والغنية. لكن.. حسنا، هناك لكن تفرض نفسها. القيمة المالية للجائزة، 150 ألف يورو، مصدرها الجماهيرية الديمقراطية الشعبية الليبية، المؤسسة سنة 1969 على إثر الانقلاب العسكري للعقيد معمر القذافي. بعد حوار داخلي موجز بين قبول الجائزة أو رفضها، لأسباب سياسية وأخلاقية، قررتُ الخيار الثاني.