بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة. لقد كلفني دفاعي عن الشعوب العربية الإسلامية وقضاياها العادلة الكثير من العداوات والهجمات من لدن «المستغربين»، الذين ينكرون كل الأدلة البديهية للمكون المهم العربي (واليهودي) للغة والثقافة الإسبانيكية. (ليس عبثا أن يكتب خوان غويتيصلو الإسبانيكية بدل الإسبانية («hispánicas» بدل «españolas») بل قصد ذلك، لأن الكلمة الأولى تشمل اللغة الإسبانية المتحدثة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية). وقد سمحت لي معرفتي المتواضعة بالدراجة المغربية -ليس أقل ولا أكثر من معرفة الكاتب الشهير خوان رويث (arcipreste de Hita) بها- بأن ألتقط من زاوية واضحة فرادة هويتنا المعقدة والمتغيرة والمتمحورة، مثلها مثل كل الهويات الثقافية والإنسانية المتفتحة والغنية. لكن.. حسنا، هناك لكن تفرض نفسها. القيمة المالية للجائزة، 150 ألف يورو، مصدرها الجماهيرية الديمقراطية الشعبية الليبية، المؤسسة سنة 1969 على إثر الانقلاب العسكري للعقيد معمر القذافي. بعد حوار داخلي موجز بين قبول الجائزة أو رفضها، لأسباب سياسية وأخلاقية، قررتُ الخيار الثاني. هذا الشرخ الفظيع بين أوروبا والدول العربية لا يُرَدُّ فقط إلى أسباب ذات طابع ديني فحسب، بل يرتبط، أيضًا، بأخرى اجتماعية وسياسية وثقافية يجب أن نحللها بتمعن. لا نتحمل المسؤوليات وحدنا. مسؤوليتنا خطيرة مثل مسؤوليتكم. ويجب أن نقر بأن فساد النخب الحاكمة، والديكتاتوريات الخالدة في الحكم، والمهزلة الانتخابية التي تتكرر في كل بلدان جامعة الدول العربية تقريبًا، ليست سدا لمنع انتشار الإسلام السياسي؛ بالعكس، تشجعه وتجعله بديلا قابلا للتطبيق. يجب الاعتراف بأن الديمقراطية، المرتبطة بالكثير من شركات الدول الغربية التي لها علاقات وثيقة ومصالح مع الملكيات البترولية في الخليج ومع الأقطاب ومع الأمراء الذين يعرضون ثرواتهم بصلف وغرور في الدارالبيضاء أو القاهرة أو بيروت أو ماربيا؛ فقدت تلك القوة على الجذب، التي كانت لها في الماضي، للجماهير الشعبية الفقيرة والأمية، التي لم يعد أمامها أي خيار غير خيار الهجرة السرية. كتبت للدكتور صلاح فضل الكلمات التالية: «أتمنى أن تتفهم الأسباب التي فرضت علي اتخاذ هذا القرار. إيماني غير المشروط بقضية، وبالضبط احترامي للشعوب العربية وثقافاتها الرائعة، جعلني أنتقد، دوما ودائما ما استطعت ذلك، الثيوقراطيات والعائلات الجمهورية التي تحكمها وتصر على جعلها تعيش في الفقر والجهل. لقد أغضبني العجز الذي أظهرته هذه الأنظمة خلال الغزو الإسرائيلي الوحشي لغزة، كما أغضب كل شخص محترم. يجب الإقرار بأن صعوبة تحقيق المواطنة هي السبب الرئيس لإحباط هذه الشعوب وارتمائها في أحضان رواية دينية متطرفة. في النهاية أقول إن الانسجام مع نفسي وقناعاتي يفرض نفسه بقوة أكثر من كل اعتبارات الامتنان والود تجاه أشخاص نزيهين مثلكم ومثل باقي أعضاء اللجنة». لقد كتبت هذه الرسالة الإلكترونية باسترسال، وبعد الانتهاء منها شعرت بالتحرر من ثقل كبير. لم ألهث يوما وراء الجوائز، وإذا قبلتها، فمجاملة فقط لأولئك الذين قدموها لي. لكن، في هذه الحالة بالذات، الأمر مستحيل كليا. أخيرًا، بقي لي أضيف أن إبراهيم الكوني والدكتور صلاح فضل تفهما أسباب رفضي الجائزة، وعبرا لي عن صداقتهما وتقديرهما القيم لشخصي.